الأستاذ صقر أبو فخر في جديده «محمد أبو ميزر (أبو حاتم): الجذور والتراب» هو حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة، عقده صقر مع محمد أبو ميزر (أبو حاتم)، في بيروت، وفي فندق «كاڤاليه» بالتحديد، على مدى جلسات عديدة بدءاً من صيف 2018 وحتى صدوره أخيراً عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» (الدوحة/بيروت) مع غلاف أنيق بصورة لمحمد أبو ميزر. حوار عن القدس لأنّ القدس مدرج نشأته، وعن المنفى لنزوحه عن فلسطين وهو في الرابعة عشرة، وعن المنفى لخروجه منها إلى العالم. يمهّد صقر أبو فخر لحواره بقوله إنه حين يُحرم المرء من بيته، قسراً وعسفاً وغصباً، يتحوّل البيت إلى فردوس مفقود مطرّز بالمخيّلة، وبأبهى عناصر التشكيل والتكوين والتلوين، إذ أنّ تراجم النفس، أي السِيَر الذاتية، إذا لم تكن كشفاً عن المسكوت عنه، وإزاحة للأستار عن الأسرار، فإنّ قيمتها تبقى محدودة.
هذا الحوار مع محمد أبو ميزر هو بالتأكيد نوع من السيرة. إنه سيرة حوارية تكشف الكثير من خفايا السياسات الفلسطينية التي عرفها أبو حاتم، أو اكتشفها في سياق نضاله الوطني، أو شارك في صنعها منذ التحاقه بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) منذ 1962. إنه حوار استعادة للمكان الأصلي، القدس، والجولان في المنفى، على مدى نحو نصف قرن من الزمان.


كان مولده في الخليل عام 1936 ثمّ انتقل مع عائلته إلى القدس عام 1944، وهناك درس قبل انتقاله إلى جامعة القاهرة. وفيما انتمى عام 1951 إلى حزب البعث وخرج منه عام 1961 إثر الانفصال إلى ليبيا فالكويت حيث التحق بحركة فتح إثر لقائه برفيقه البعثي فاروق القدومي (أبو لطف) وزوجته البعثية نبيلة النمر، كان أبو لطف قد سبقه في الانتماء إلى فتح. في 1963 إلى الجزائر إثر استقلالها مباشرة، فالتقى هناك بخليل الوزير (أبو جهاد)، فاتّخذت علاقته بحركة فتح طابعاً تنظيميّاً ثابتاً. في الجزائر، تعرّف إلى معظم قادة الثورة الجزائرية والتقى تشي غيفارا في أثناء زيارته الجزائر عام 1964. في 1968، عيّنته فتح أول ممثّل لها في أوروبا على أن تكون باريس مقرّه وفيها صاغ بيان «الدولة الديمقراطية العلمانية» في فلسطين، وهو الذي صار أحد ركائز الالتزام الفلسطيني بشأن تحرير فلسطين ومستقبل اليهود في دولة فلسطين الحرّة والديمقراطية والعلمانية.
من مولده في الخليل إلى نشأته في حارة النصارى في القدس ومنه في 1956 إلى جامعة القاهرة عبر مطار قلنديا، لم يرَ القدس منذ ذلك الحين حتى 1997 حين عاد إليها مع زوجته ميّ الصايغ.
من إيمانه بالوحدة العربية، انضمّ أبو ميزر إلى حزب البعث وقراءة الفلسفة الوجودية ثم لقاء ميشيل عفلق في القاهرة عام 1959، فإلى الكويت والانضمام إلى حركة فتح، وحضور مؤتمرها الأول إثر حرب حزيران 1967 في منطقة ركن الدين في دمشق، وتحديداً في بيت خليل الوزير (أبو جهاد)، بحضور ثمانية وعشرين شخصاً فيهم خالد الحسن (أبو السعيد) ومحمود مَسْوَدة... وإلى باريس والمناداة بالدولة الديمقراطية العلمانية وعقده حوارات مع مكسيم رودنسون وجاك بيرك وغيرهما، ومشاهدته عن كثب ثورة الطلاب في أيار 1968، وتعرّفه إلى فؤاد الشمالي (1934-1972)، وتسليمه بيان حركة فتح عن الدولة الديمقراطية إلى وكالة الأنباء الفرنسية AFP ليلة 31/12/1968 وإذاعته صباح 01/01/1969.
تعرّف إلى معظم قادة الثورة الجزائرية والتقى تشي غيفارا عام 1964


صوب نهاية حوار الأستاذ صقر مع أبو حاتم، كان لا بدّ من العودة إلى المنشأ، إلى المشرق، وكشف أسرار وحقائق ووثائق يوردها في نهاية حواره مع صقر أبو فخر يعيد النظر محمد أبو ميزر في تجربته، فيرى أن قضية فلسطين طالت في الزمن وتطاولت جداً، وأن الأوان قد حان لوضع حدّ لآلام الفلسطينيين.
هذا الحوار الغني هنا تحفيز الذاكرة على التذكّر في سياق متتابع وتوليدي، كانت غاية الأستاذ أبو فخر منه تسجيل خلاصة الخبرة الطويلة لمحمد أبو ميزر، أبو حاتم، في الحياة وفي السياسة، وفي المصائر المتعاكسة للناس الذين عرفهم وعمل معهم، وفي الأماكن التي عاش فيها وغادرها إلى أماكن جديدة، مع إقرار الأستاذ أبو فخر أن التاريخ الفلسطيني كتابة تراكمية دائمة.

* باحث وأكاديمي فلسطيني