لطفية الدليمي: غواية الحكي

  • 0
  • ض
  • ض
لطفية الدليمي: غواية الحكي
(من أرشيف مجلة «بانيبال»)

في التاسعة من عمرها، تسللت لطفية الدليمي (1939) إلى «حجرة المحرّمات»، ولم تخرج منها إلى اليوم. اكتشاف نسخة قديمة من كتاب «ألف ليلة وليلة» فوق أحد رفوف خزانة الكتب أو «مجمع الغوايات كلها»، قادها إلى سحر القراءة وغواية الحكي لتقتفي أثر شهرزاد والطاقة السحرية للكلمات. في سيرتها الأدبية «عصيان الوصايا: كاتبة تجوب في أقاليم الكتابة» (دار المدى)، تستعيد الروائية والمترجمة العراقية المعروفة، العتبات الأولى للكتابة بوصفها «برج مراقبة تمتعنا بالكشف عمّا يؤرقنا من أسئلة الوجود وحيرة النفس وهي تعبر مسالك هذا العالم المضطرب». الكاتبة التي تفتحت طفولتها على ضفاف نهر ديالى، وسط ثمار البساتين وثمار الكتب، كانت تقطف الكلمات من الهواء كما تقطف ثمار التين من الشجرة العتيقة التي تتوسط البيت. هكذا كانت سليلة حضارة الرافدين وملحمة جلجامش والأناشيد البابلية، تلتهم الكتب بشهيّة وعطش، كما لو أنها تنتسب إلى «سلالة مائية»: «سلالة أولئك السومريين الهابطين إلى دلتا النهرين من فردوسٍ مفقود». هكذا وجدت في الكتب «زورق نجاة ينأى بنا من العابر والزائل». لم تغرها في طفولتها مكتبة الأب الشيوعية، ولا حلقات الذكر في محيطها. انخرطت في قراءة ألبير كامو وسارتر وسيمون دوبوفوار، لحظة اشتباك جيل الستينيات في العالم العربي بالفلسفة الوجودية، قبل أن تنعطف نحو كتب التراث، وسحر الروايات العالمية. لاحقاً، ستناجي في كتابها «كتاب المناجيات»، كوكبة من الروائيين العظام في حواراتٍ متخيّلة مثل نيكوس كازانتازاكي، وهرمان هيسه، وغابرييل غارسيا ماركيز، أولئك الذين أثّروا في وجدانها، في ولع لا نهائي بالرواية والكتب. حتى إنها في روايتها الأخيرة «عشّاق وفونوغراف وأزمنة» (2016) تستدعي تاريخ عائلة «الكُتبخاني» عن طريق حكاية عشق، في موازاة تاريخ العراق منذ مطلع القرن العشرين إلى ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق (2003)، في رواية نهرية ضخمة، تستكشف أحوال الحداثة واندحارها تحت وطأة التحولات والنكبات التي أصابت ثقافة بلاد الرافدين. ترتحل صاحبة «سيدات زحل» بين حقول إبداعية مختلفة، من القصة إلى الرواية، وصولاً إلى اليوميات والترجمة، على خلفية اهتمامها بالموسيقى والرسم والفيزياء والمسرح. وقد انهمكت في السنوات الأخيرة بترجمة كل ما يخصّ الرواية، في حوارات مع أبرز الروائيين العالميين: «فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة»، و«الروايات التي أحب»، و«أصوات الرواية»، بالإضافة إلى مذكرات «توني موريسون: سيرة موجزة لكاتبة شجاعة». تختزل سيرتها الحياتية والكتابية بقولها: «بقيت وما زلت أصغي وأكتب وحسب، ولا أتكلم إلا عند الضرورة، لهذا لا يمكنني أن أكون كائناً اجتماعياً أو وجهاً مدرجاً على شاشات الإعلام، ولطالما كنت أهيم في أفكاري بينما بحر اللغة المتلاطم يغرقني بالكلمات».

0 تعليق

التعليقات