اليوم صباحاً، وأنا متوجّهة نحو المصحّة لأقوم بحصص المعالجة الفيزيائية، استوقفني شرطيّ:— صباح الخير، أوراق السيارة لو سمحت؟
— طبعاً!
— إلى أين أنت ذاهبة؟
— إلى المصحّة، من أجل حصص علاجي الفيزيائي، تعرّضت لحادث سيّارة منذ فترة.
— أوه! وما حاجتك للعلاج الفيزيائي، أرى أنّكِ لا تزالين قادرة على المشي والوقوف.

من مجموعة «للذاكرة عناوين» للسورية ريم يوسف (مواد مختلفة على كانفاس ــ 100×100 سنتم ــ 2017)


— أنا أستخدم جسدي لأغراض أخرى غير المشي والوقوف، والقفز، إن شئت.
— هل أنت راقصة؟ لقد صارت موضة هذه الأيام.
— نعم أنا أرقص، لكن ليس بمفهومك.. أنا راقصة مالارميه. أنا الجسَد الرّاقص الذي يسعى نحو المُطْلَقِ..
— ومن يكون Mallarmé هذا؟ هل هو أحد زبائنك في كاباريهات باريس... لا بدّ أنّك تجنين ثروة من البقشيش الذي يقذفه على جسدك، سيارتُكِ برهان لذلك.
— نعم هو يقذفني بما هو أثمن من كلّ الكنوز كافّة.
—وما هو هذا الشيء الثّمين؟
— قصيدة!
[..]
— هل فهمت إذاً لم أنا بحاجة مُلِحَّة للعلاج الفيزيائي؟
— أختي، برّي يفرّج عليك! أقسم أن هذا الشعب قد جنّ جنونه، أظن أنّكِ بحاجة إلى علاج نفسي بصفة مُلِحَّة
■ ■ ■

قصيدة جعلتني أمشي بكعب عالٍ
مررتُ صدفةً أثناء بحثي عن كتاب جديد على معلومة مدهشة. إن الإنسان في القرون الوسطى كان يتقاضى أجراً ليقطع ماشياً أرضاً «مقدسة» لأجل مغفرة الذنوب نيابة عن آخرين؛ ذنوبٌ تُغْفرُ عند وصول هذا المفوَّض إلى نهاية مسيرة الحج هذه: مغفرةٌ بالوكالة!
عرفت حينها ما أنا فاعلة بحياتي الواحدة الثمينة الجامحة، سأمشي عبر دِلْفِي في أحرّ طرق الحج الوثنيّة.
وقبل عقد نيّتي للتّلبية، أرسلت إلى مجموعة من الأصدقاء والمريدين قائلةً: «سأمشي نيابةً عنكم لمحو خطاياكم، فالسائرون للحج يبحثون عن المذنبين لغرض المنفعة المتبادلة!»
شرحت لهم أنني أحاول تذوّق تجربة المشي نيابةً عن الآخرين ولأجل محو خطاياهم بدافع ذاتي وكونيّ، لا بدافع الإيمان! وأنا أبحث عن مذنبين ليتحملوا نفقات رحلة الحج مقابل أن يسمّوا خطاياهم التي يتطلعون إلى مغفرتها، جاءني الردّ على رسالتي قصيدةً:
«قَدَمٌ مثاليةٌ مهيأةٌ للمسير تطارد أختَها في تزامنٍ دقيق/ تمشيان وكأنهما نبضات من نور على بلاط القرن الواحد والعشرين الأملس/ وكان حدسك قد سبقك في مسيركِ»
ربّما أدركتُ حينها بهجة اكتشاف المشي بغير راحة، آثرت أن أكون المشّاءة المتعالية لأعرف كم أنا مغرمة بتلك الدرب، تلك الأرض الصلبة وصخورها، لأرى ذاتي منتظرةً دون خوف من ذلك التاريخ الجافّ والدموي لتكون لي نهضة خاصّة وكأنما كنت أقود شارلمان والرّوم من خلفٍ لأمحق فكرة الغزاة.

* تونس