ثمة صورة متوافرة على الإنترنت للرئيس الأميركي المغدور جون كينيدي واقفاً أمام قبر جيمس فورستال الذي كان أول وزير دفاع للولايات المتحدة. مصير الرئيس كينيدي لم يختلف عن نهاية فورستال. الاختلاف يكمن فقط في طريقة قتل كليهما، والتطابق هو في فرض السرية على الوثائق المتعلقة بالجريمتين، وكذلك في مكان موت الرجلين أي في «مستشفى بيتستدا» التابع للبحرية الأميركية.إلى الآن، لا أحد يعلم من الذي قتل جون كينيدي، وحقيقة نهاية جيمس فورستال المعادي للصهيونية ولمشروع اغتصاب الصهاينة فلسطين. ثمة آراء بأن الدولة العميقة في الولايات المتحدة تقف خلفهما. في هذه الخصوص، سجل الكاتب الأميركي اليهودي المعادي للصهيونية ألفرد لينيتال «من يملك السلطة بما يكفي لإزالة المسدس الموجه إلى البيت الأبيض بأيدي السياسيين المستسلمين ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني؟».


أما مبعوث الرئيس ترومان إلى فلسطين الجنرال باتريك هيرلي، فقد سجل في مذكراته «في حين يتم تقديم الصهيونية في أنحاء العالم جميعاً كحركة دينية «تقوم على الاهتمام الإنساني لشعب مضطهد»، كانت داخل فلسطين منظمة إرهابية تستخدم الخوة والإكراه والاغتيال سلاحاً لها. وقد اضطرت الشركات الأجنبية العاملة في فلسطين، بما فيها الأميركية، إلى المساهمة بدفعات شهرية لخزينة المنظمة الصهيونية للحصول على إذن للبقاء في الأعمال التجارية. وعندما رفض هيرلي، الممثل الشخصي للولايات المتحدة، تأييد الحركة الصهيونية علانية خلال إقامته في القدس، هددته التنظيمات بالاختطاف والاغتيال. القصد من هذا الاسترسال توضيح أن المنظمة الصهيونية لم لتكن تتردد في محاربة أعدائها ولو كانوا من كبار قادة واشنطن. على أي حال، ثمة قائمة مقتل شخصيات أميركية عديدة تبقى غير معلنة إلى يومنا هذا، وتضم الجنرال باتون والأخوين كينيدي ومارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وأخيراً جفرس إبستين الذي «انتُحِرَ» هو الآخر في زنزانته، وغيرهم كثر. بالمناسبة، الوضع في الدول الأوروبية الاستعمارية لا يختلف، فلنتذكر اغتيال «اختفاء» المناضل المغربي المهدي بن بركة في فرنسا وكيف «انتُحِرَ» أندرياس بادر وغيرهما. كتاب «اغتيال جيمس فورستال» (منشورات ماكابي ـ 2019) لديفيد مارتن، يتابع سيرة جيمس فورستال وكذلك المعلومات كافة عن الظروف المحيطة بمقتل أول وزير دفاع للولايات المتحدة، الذي «انتُحِرَ» اعتماداً على المعلومات المتوافرة وعلى الوثائق ذات الصلة التي اضطرت الإدارة الأميركية للإفراج عنها بطلب من الكاتب عملاً بقانون حرية الوصول إلى المعلومات. يطرح الكاتب أسئلة كثيرة ذات صلة أهمها عن سبب إبقاء التقرير عن «انتحار» فورستال سرياً، ويوضح أنه لا يقول إنه انتحر وإنما إنه ليس ثمة من دليل على أن البحرية الأميركية لها علاقة بموته؛ أي عدم نفي أن آخرين (الدولة العميقة - ز م) ارتكبوا الجريمة.
المنظمة الصهيونية لم تتردّد في محاربة أعدائها ولو كانوا من كبار قادة واشنطن


ثمة ظروف مشابهة «لانتحار» جيفري إبستين وجيمس فورستال الذي عارض أموراً عديدة ذات صلة بواشنطن ومنها إلقاء القنابل الذرية على اليابان، وهي أن كليهما كانا موضوعين تحت الرقابة الدائمة، في الزنزانة وفي المستشفى على التوالي، وكليهما «انتُحرا» في اللحظة التي توقف فيها الضباط المنوطون بمراقبتهما عن عملهما! كما لاحظ الكاتب أن لندن جونسن، قام بزيارة غير مرغوب بها لفورستال في «مستشفى بيتستدا»، موحياً أن الرئيس الأميركي اللاحق مشارك في عملية الاغتيال، وملاحظاً أن الأخير كان يقبض أموالاً من أبراهام فاينبيرغ الرئيس السابق لمنظمة «أميركيون من أجل الهاغاناه» التي موّلت تصنيع القنبلة الذرية في كيان العدو الصهيوني الاستعماري - الاستيطاني. ويشير الكاتب إلى مداخلة في مذكرات فورستال عن حديث بينه وبين جوزف كينيدي والد الرئيس المغدور عن تبادل كلام جرى بين الأخير وروزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين الذي قال: «إن الولايات المتحدة واليهود أجبرا بريطانيا على خوض الحرب».

* The Assassination of James Forrestal - McCabe Publishing- (2019). 198 PAGES. DAVID MARTIN