بعد مرور 15 عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري (14 شباط/ فبراير 2005)، أصدر الدكتور محمد حسين بزي الطبعة الثانية من كتابه «الخديعة ـــ يوم اغتالت الفوضى الخلّاقة رفيق الحريري» (دار الأمير ــ بيروت). يقوم الكتاب على أرشفة كلّ ما كتب عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري من مواد تحقيقية مسرّبة باللغات الثلاث: العربية والإنكليزية والفرنسية، ومواقف وأفكار تضمنتها بعض المقالات ووثائق ويكليكس وغيرها من المعلومات التي تساعد على فهم الواقع القائم.

يرى مؤلِّف الكتاب محمد حسين بزي أنّ هناك مشروعاً سياسياً قد صاغه المحافظون الجدد ومنظروهم في المؤسسات الرسمية الأميركية، يقوم على عمل شيء من شأنه السيطرة على المنطقة والقضاء على أي صوت للممانعة فيها، ويتتبّع المشروع النظري في أروقة منظّري المحافظين الجدد. وفي خطوة متفرّدة في إطار من كتب عن قضية الرئيس الحريري، قارب بزي مفهوم الفوضى الخلّاقة مقاربة فكرية تزيح الستار عن الأسس الفلسفية التي بنى عليها المحافظون الجدد نظرية فوضاهم التي اصطنعوها؛ باعتبارها خارطة طريق لمعالجة ما يتعارض مع السياسة الأميركية في المنطقة، ويمسك بزي خيطها من البنية الرأسمالية التي تقوم على شرعية القوة المدمّرة للسوق التي تجتاح كلّ سوق ضعيفة أمامها، ويخدم هذا المبحث أنّ بزي مشتغل في الفلسفة ومطّلع على الخطوط المهمّة من الفلسفة الغربية والأوروبية التي تتداخل جميعها في تقديم نموذج فكري سياسي معين.
ومن الأساس النظري، ينطلق بزي إلى المستوى التطبيقي، ويرى أنّ تحديد ساعة الصفر لهذا المشروع هو عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري التي آلت مفاعيلها إلى سوريا وإلى حزب الله وإيران، وحاولت تدمير المنطقة بواسطة هذه العملية التي امتدت للمحكمة الدولية التي ستحاول النيل من قوى الممانعة زوراً وبهتاناً.
ويلحظ القارئ لكتاب «الخديعة» أنه أمام كاتب أفاد من قدراته المعرفية والخبرة المتراكمة له من خلال تعاطيه في أكثر من ميدان على المستوى الفكري وفي الشأن السياسي وما يتصل به، ويفضي ذلك إلى كمٍّ من المعلومات نثرها في ثنايا الكتاب حيث تضمن معلومات مهمّة عن الحاج عماد مغنية وما يتصل منها بعلاقته بالراحل ياسر عرفات حتى وفاة «أبو عمار»، وفي حدود معرفتي أن هذه المعلومات تُنشر للمرة الأولى.
مواد تحقيقية مسرّبة باللغات الثلاث: العربية والإنكليزية والفرنسية


ومن خلال هذه الخبرة الكبيرة على سبيل المثال لا الحصر يحاول الكاتب أن يحاكم تقرير محطة «سي. بي. سي»، وكيف حاول أن يهيئ الظروف لاستقبال القرار الظّني حيث يُظهر التقرير مناوءة الرئيس الراحل رفيق الحريري لسوريا وأنه رجل قومي دافع عن بلاده، ويدخل هذا ضمن الإعلام الموجّه الذي حاول إثارة الوجدان الجماعي الفئوي، وبالتالي يردف هذه المقدمات بالاحتمالات التي قد يتضمنها القرار الظني وهي اتهام عناصر من حزب الله وإلى آخره من إخراجات.
وبين المقدمات التقنية لمحطة التلفزة وما يتضمن القرّاء، يتهيأ وجدان مليء بالغضب لو قدر ونجح هذا التقرير في بلوغ مقاصده.
يأتي «الخديعة» في لغة علمية متأدّبة سائغة إلّا أني آخذ على المؤلّف بعض التوسّع في أماكن كان ينبغي الإمساك بها ومواصلة البحث العمودي في القضية الأساس، غير أني أردُّ هذا إلى الظاهرة التي يتميّز بها بزي في ريادة هذه الأبحاث القائمة على الأرشفة والتحليل في آن واحد.

*كاتب وناقد بحريني