ريجيس دوبريه: نهاية الحضارة الأوروبية

  • 0
  • ض
  • ض
ريجيس دوبريه: نهاية الحضارة الأوروبية

ينعى المفكّر الفرنسي ريجيس دوبريه (1940) الحضارة الأوروبية أمام هيمنة الأمركة، وانتصار الصورة على الأبجدية، أو المرئي على المكتوب: «ربحت الحضارة حينما لم تصبح الثقافة التي نشأت عنها إمبريالية لكي تترك بصمتها، ولا كتيبة درك محمولة جوّاً لكي تؤثر في مجرى الأشياء، ولا لضربة فوق الطاولة لشدّ الأنظار»، ما يحدث فعليّاً هو عملية «قص ولصق». يوضح صاحب «سيدي التاريخ» في كتابه «حضارة: كيف تأمركنا» (2017) الذي انتقل أخيراً إلى العربية عن «دار نينوى» (ترجمة قاسم المقداد) بأنه ليس مؤرخاً «لكننا نخاطر بالتاريخ الحالي كله إذا عمدنا إلى تقطيعه كما نقطّع الدجاجة». هكذا احتضرت أوروبا بقوة وهيمنت الأمركة المتمثلة في السوق والتسليع والشركات الكبرى. ذلك أن الحضارة الجديدة بصيغتها الأميركية نهضت على ثلاثة أصنام هي: الفضاء، والصورة، والسعادة. ههنا يتراجع الزمن الأوروبي لمصلحة المكان الأميركي، أو الفضاء، وهو هنا ليس إقامة أو سكنى، بل حركة، والطريق لا يقاس بالأمتار، إنما بالديناميكية، بسرعة العجلة وقوة الطيران للعيش حيوات كثيرة: «وهنا يكمن الفرق بين المذاق المحلي والأرض المملوكة، بين الأرض التي ينبغي العمل فيها، والأرض التي يجب غزوها، وبين المحراث والمسدس». أما بخصوص الأمل، فليس أمام الآخرين إلا الانتظار، فأميركا تعمل على نسيان عبء الماضي والتخفف منه، ما جعلها «تربح القمر، في انتظار كوكب المريخ»، فيما تسير أوروبا في الاتجاه المعاكس. هكذا دخلت أميركا التاريخ عبر الصورة ومحو تاريخ الكتابة. «ألبوم بمئة صورة يلخّص أميركا: ترامب، وقبله ريغان، يمثلان صورة عمدة البلدة «الشريف» في السينما، الذي يلقي القبض على جون واين». لا يتوقف الفيلسوف اليساري في هجاء الليبرالية الجديدة عند هذا الحد. يقول: «ربما لا يكون الله أميركياً، لكنه ليس مناهضاً لأميركا، انطلاقاً من القصة الإلهية لأجهزة الالتقاط المرئية التي عرّفت العالم، عبر وسائل الإعلام، بملحمة الفضاء، والأرض، والبحر، والجو، إذ حوّلت أبطال كل مرحلة إلى أيقونة». اكتساح الثقافة المرئية جعل النساء يلجأن إلى تجميل أنوفهن ليشبه أنف فيفيان لي في فيلم «ذهب مع الريح». وعلى الضفة الأخرى تقدم الموتى والجلادون أيضاً: «سوريون وعراقيون قُطعت رؤوسهم من قبل شباب خدّرتهم أفلام القذارات الهوليودية». ولكن ماذا بخصوص السعادة أولاً؟ الآن بات ضرورياً أن تبتسم أمام عدسة الكاميرا، وأن تبعد شبح الشيخوخة أو التعاسة عن الإطار، ذلك أن «إلغاء التاريخ يجعل الناس أكثر سعادة». وأيضاً، على بائعة السوبرماركت أن تبتسم للزبون كضرورة ملحّة. يخلص صاحب «حياة الصورة وموتها» إلى أن الفرجة الراهنة تتمثل في الخضوع وحسب. الخضوع للأرقام والعولمة والأمركة وانهيار القيم، لكنه يفتح كوة أمل: «الحضارة تعني الانتشار، والانهيار يعني النقل، أي الانبعاث. ولا يُنصح بارتداء ثياب الحداد».

0 تعليق

التعليقات