موضوع كتاب «قضية الانقلاب الفاشل المشكوك فيه: الروح الحربية والذكورية والخامس عشر من تموز في تركيا» (مجموعة من الكاتبات والكتّاب ـــ تحرير: فريدة تشيشيك وعمر طوران) الذي يضم إسهامات عدد من العالمات والعلماء الأتراك المقيمين في البلاد، هو مقاربة محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا، رغم ما يحيط بها من غموض وما يطرح عنها من أسئلة لم تتم الإجابة عنها، دوماً بكلمات المحررة والمحرر. لكن المحررة فريدة تشيشيك الأستاذة المحاضرة في «جامعة بيلجي» في إسطنبول والحاصلة على الدكتوراه في الهندسة المعمارية من جامعة بنسلفانيا، التي عانت من السجن أثناء حكم الطغمة العسكرية عام 1980 بسبب معارضتها السياسية، والمحرر عمر طوران الأستاذ المشارك في قسم علم الاجتماع في الجامعة نفسها، يوضحان أن هدف هذا المجلد ليس تقديم تحليل صحافي أو وصفي لمسار الأحداث. يوضحان أن الهدف من تسمية محاولة الانقلاب بأنها «حالةٌ مشكوك فيها» هو إبراز لغز معين حولها. ويتابعان أن القصد بالقول أيضاً: عندما تفشل محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة في إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطياً، يكون ظهور العسكرة (militarism) أقل توقعاً؛ والمقصود بالعسكرة، بحسب المحررين «العملية التي يصبح فيها منطق الجيش وقيمه والجيش نفسه (بما في ذلك تمجيد الحرب) سائدين في الحياة المدنية».

لكن ما حدث في تركيا بعد الخامس عشر من تموز 2016 هو العكس تماماً بحسب المؤلفين. أي أنه رغم أن الانقلاب لم يكن ناجحاً، إلا أن نتائجه تشكلت من خلال موجة جديدة من العسكرة التي ترعاها الدولة. إذ شهدت تركيا بعد الانقلاب حالات عدة من هذا النوع من التوسع في المنظور العسكري مثل استخدام الأسلحة الثقيلة في الاشتباكات الحضرية في جنوب شرقي البلاد وتجريم الأصوات المعارضة التي تنتقد الجيش والحكومة وتجديد الشباب عبادة الاستشهاد وتمجيد الجيش في الأفلام والدراما التلفزيونية. ومختلف الدراسات في هذا العمل تحلل هذه الحالات جميعها في فصول مختلفة.
هذا المؤلف محاولة لجلب منظور جديد وناقد من خلال تجميع التحليلات من مختلف التخصصات في العلوم السياسية والدراسات الإعلامية والأفلام والأدب وعلم الاجتماع والدراسات الثقافية حيث تحدد «العسكرة المنتصرة»، أي أنه رغم فشل الانقلاب، فإن آثاره قد تشكلت من خلال موجة جديدة من العسكرة الجندرية التي ترعاها الدولة.
منظور التخصصات المتعدد يضم أربعة محاور متداخلة: الأول (انقلاب ليلة منتصف الصيف: الأداء والقوة في محاولة الانقلاب في تركيا في 15 تموز) يركّز على منظور اجتماعي ويستخدم نظرية الأداء الاجتماعي في التحليل ويشدد على أنه من خلال بناء سرد موثوق في تلك الليلة، فإن حكومة «حزب العدالة والتنمية» قد مهدت الطريق لتنفيذ تغييرات محددة في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية.
المحور الثاني نقرأ عنه في دراستين اجتماعيتين: الفصل الثالث «التضحيات المتضاربة: استياء المحاربين القدامى من النزاع الكردي للمحاربين القدامى المدنيين في 15 تموز»، والفصل الرابع «الذكورة المهيمنة في أوقات الأزمات: محاولة انقلاب 15 تموز». يتناول الأخير ضمن أمور أخرى كيفية قيام مؤسسات الدولة ببناء الذكورة في مجالات الثقافة والأيديولوجيا وسرداً لأنواع التحديات والأزمات وطرق استنساخ الأشكال المعيارية للذكورة التي ظهرت في أعقاب محاولة الانقلاب.
لا يمكن فصل المثل العليا للهوية القومية التركية عن قصة الأمة العسكرية


النقطة المحورية الثالثة هي التمثيل: انظر الفصل الخامس «الجيش العلماني أم الخيال العثماني الجديد؟»، والفصل السادس «اضغط «ابدأ» لتذكر الشهداء» يتناول بالتحليل ألعاب الفيديو لذكرى محاولة الانقلاب، وهو يتعامل مع طرق تمثيل الجيش والانقلابيين في المنتجات الثقافية المختلفة. كما يتفحص الفصل اثنين من الأفلام الكبيرة وموقع الجيش فيها.
المحور الرابع مرتبط بمسألة الأبوة. الفصل السابع «الأب غير الميت» الذي يقدم الخامس عشر من تموز 2016 ملحمةً ورواية قوطية. أما الفصل الثامن، فمرتبط بالصدمات الخبيثة والصدمات المؤلمة في رواية أورهان باموك «المرأة ذات الشعر الأحمر». يشير الفصلان إلى إطار التحليل النفسي ويعيدان تفسير قيادة رجب طيب إردوغان وإرادته السياسية لتأمين منصبه، بما في ذلك تصميمه على النظام الرئاسي، من خلال مقارنته بشخصية «الأب الشرقي» غير المتسامح.
أما الفصل التاسع والأخير (العودة إلى الوضع الراهن: تحديث العسكرة قبل محاولة الانقلاب في 15 تموز وبعدها)، فيعود إلى المنظور الاجتماعي ويغلق بطريقة ما دائرة هذه النقاط المحورية الأربع ويحلل التحديات الأخيرة للعسكرة ويأخذ عملية السلام في الصراع الكردي في 2013-2015 باعتبارها ذروة هذه التحديات. يحدد هذا الفصل خطوتين لشرح عودة النزعة العسكرية، أولاهما سقوط عملية السلام والثانية إعلان حالة الطوارئ في أعقاب محاولة الانقلاب.
ينهي المحرران وصف المؤلف بالقول: «إذا كانت الدراسات الثقافية لافتة تحدد طريقة التحليل في هذا العمل، فإن النقطة المرجعية الأخرى التي لا تقل أهمية هي الجندر وخطاب الذكورية المهيمنة اللذان عززا النزعة العسكرية والعصبية بعد محاولة الانقلاب، إذ لا يمكن فصل المثل العليا للهوية القومية التركية عن قصة الأمة العسكرية التي تعطي الأولوية لتكوين نوع معين من الذكورة.

* The Dubious Case of a Failed Coup: Militarism, Masculinities, and 15 July in Turkey ____ Springer Verlag, Singapore ____ 2019