فرصة استثنائية أتاحتها «دار راية» (حيفا) أخيراً، في إعادة قراءة قصص محمد علي طه (1941)، أحد أبرز كتّاب القصة في فلسطين الداخل، في ثلاثة مجلدات، اشتملت على أعماله القصصية، مثل «لكي تشرق الشمس»، و«سلاماً وتحية»، و«جسر على النهر الحزين»، و«العسل البري»، بالإضافة إلى إشارات نقدية في تجربة الكاتب، حملت تواقيع: محمود شقير، وعادل الأسطة، وأحمد دحبور، ومحمود أمين العالم، ونبيه القاسم، وإميل توما، وأنطوان شلحت، وفخري صالح، وآخرين. تكمن أهمية أعمال صاحب «نوم الغزلان» في تأريخها للوجع الفلسطيني، وزمن النكبة وما تلاها من أهوال الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، إذ تحفل قصصه في توثيق التراث الفلسطيني والمناخات الريفية المستعادة من طفولة منهوبة، إثر تدمير قريته «ميعار» في قضاء صفد، كما نحت أعماله إلى التسجيلية رافضاً الأسماء العبرية للمكان الفلسطيني، ما جعل سلطة الاحتلال تصادر بعض كتبه.

هكذا عبّرت قصصه أكثر من برزخ في تظهير تاريخ بلاده، من النكبة إلى النفي القسري، والشتات، راسماً صورة مكبّرة للمأساة الفلسطينية في تحولاتها التراجيدية على رافعة من الفانتازيا والسخرية والفكاهة، من دون أن يهمل نقد الظواهر السلبية لمجتمعه الغارق في الغيبيات. حكّاء باهر في بناء الذاكرة الفلسطينية والموروث الشعبي، كأنه يستكمل العمارة السردية لجيل الروّاد (غسان كنفاني، وسميرة عزّام)، قبل أن ينعطف إلى سرديته الخاصة وعالمه العجائبي الثري بالإحالات. المفارقة أن محمد علي طه كان زميلاً لمحمود درويش وسالم جبران فوق مقعد واحد في مرحلة الدراسة الثانوية، إلا أنه توجه لكتابة القصة، فيما اتجه زميلاه إلى كتابة الشعر. من ضفة أخرى، انخرط صاحب «وردة لعيني حفيظة» في العمل السياسي والصحافي، فعمل في صحيفة «الاتحاد»، ومجلة «الجديد» بكتابات راديكالية لا تقبل المساومة أو الانحناء أمام العاصفة، لجهة وضوح الموقف والسخرية مما يحدث، وهو بذلك يعيد إنتاج فلسطين جمالياً، رغم محاولات تقويضها باستمرار على يد الاحتلال. إنه أحد الشهود الأحياء الذين كتبوا فلسطين بذائقة شعبية مشبعة برائحة الزعتر الأول، من دون أن تحيد بوصلته عن أسباب الخراب الذي طال تضاريس العيش، فهذا الكاتب المنذور لوطنه، وفقاً لما يقوله عنه أحمد دحبور «إنما يجسد حضوره الإنساني من خلال الشخصيات التي يبتكرها ويستدعيها، حتى لأشعر وأنا أطالعه أنني في حضرة أبي وأمي وهما يقصان عليّ ما تيسر من حيفا بتلقائية وعفوية».

* نماذج من قصصه