يوثّق أمجد ناصر (1955)، في كتابه الجديد «مملكة آدم» (دار المتوسط)، طبقات الجحيم الأرضي، محاوراً الموت والمصائر المكتوبة، بما يشبه مرثية للذات، إذ باغته المرض كطعنة خنجرٍ مسموم، وها هو يفرش سجادة الوقت بخيوطٍ متشابكة لإعادة تمثيل الألم في هذا الخواء الشاسع. كأنّ لكل شاعر «جداريته» في محاورة الموت واستكشاف مشهد التيه في صحراء بلا أنبياء، مؤكداً على ضرورة «جحيم دانتي» لا «إلياذة هوميروس» في أسباب الرحلة والغياب ومعنى الانطفاء في غير موعده، وتزيين أركان البيت لا الطريق إليه. يقول في وصف مرضه على تخوم مملكته: «أي طريقٍ إلى إيثاكا ذلك الذي يبدأ بالتابوت الإلكتروني لجهاز الرنين المغناطيسي؟ لا أعرف أن هذا سيؤدي إلى أي إيثاكا سوى تلك التي ينتهي إليها الجميع، وترسو فيها كل المراكب». لا نعلم من كان يروي المأساة، هل هو أمجد ناصر باسمه المستعار، أم «يحيى النعيمي» ذاك الذي هجره باكراً في مضارب بداوته الأولى في الأردن، تلك التي تشع في متون نصوصه الأولى بمذاق البلح وعسل اللذّة وابتكار الدهشة.
(تصوير أنس نعيمي)

ذلك أن صاحب «مرتقى الأنفاس» لم يتوقّف يوماً عن تطوير قصيدته بما يلزمها من شهوة بلاغية، مازجاً ترحاله البدوي بصلابة معادن المدن لحظة «وصول الغرباء»، قبل أن ينعطف إلى ثراء النثر في «الحياة كسرد متقطّع» كبرزخ نحو اليوميات والرواية والرحلة، ترجيعاً لحياة متشعبة وتجارب ومشهديات متناوبة، سيكتبها بنصلٍ حاد، كشاعر في المقام الأول. هكذا أتى كتابه «مملكة آدم» خليطاً من الأهوال والفجائع والحسرات: «لا أعرف شيئاً في هذه الظلمة التي تلفّني. لا أحمل صليباً على ظهري. وليس لي ناقة تشقُّ الصخر. أتلمّس طريقي بالضوء الصادر من عينيَّ، ولا أرى يدي التي تُلوّح لجموعٍ وهميةٍ، تموج تحت سفح الجبل». يصف عباس بيضون هذه التجربة بقوله: «يخوض أمجد ناصر في القدر والنّهاية واللامعنى والمصير أي إنّه يخوض في الملحمة، ونحن نقرأ ونشعر بأنّنا نقف على مشارف وقممٍ ملحميةٍ، فنحن لا نصل إلى اللاشيء وإلى السلب المطلق، إلا بعد أن نخوض في أغوار فاغرة، إلا بعد أن نمرّ على الجميع وعلى المنفى وعلى السّراب وعلى النّهايات المظلمة. نحن هنا في حرب الإنسان مع نفسه وحربه مع قدره، وحربه مع الكون، ومع تهاوي معناه وصيرورة كلّ شيءٍ إلى نفي عارم».