«بعد قرون من الصمت، قرّرتُ، أنا القُدس أن أتكلّم لأروي قصتي الحقيقية، لا تلك التي يشيعها الممالئون لي، أولئك السذّج الذين يتخيلون أن لا مناص لي من أن أكون لواحدٍ منهم. والذين ينظرون إليّ كعروس يستطيعون أن يضعوها في قفص أو كبغيّ تسلّم نفسها لمن يدفع أكثر. أنا القدس، أنا الوحيدة المقدّسة الكاملة وفي حجارتي تهتز الحقائق الأبدية الثلاث، كل واحدة منها مُكملة للأخرى، وغير قابلة للانفصال. لا تهمني الانتقادات التي لن يفوتها أن تثير مشاعري ولا شك في أنني بلغت السنّ التي ما عدت أخشى معها الإهانة والسخرية، سنّ الرشد هذه حيث ما عدتُ أخشى شيئاً ـ هل يجب أن أعترف بذلك؟» «أنا القدس» رواية تاريخية ترجَمَتها «منشورات الجمل» للكاتب الفرنسي جيلبرت سينويه (١٩٤٧)، صاحب «ابنة النيل» و«الطريق إلى أصفهان» و«أنا يسوع» و«أخناتون» و«الفرعون الأخير». على ما ألِفناه في روايات جرجي زيدان وأمين معلوف، يشبك سينويه الحبكة في مفاصل التاريخ بحيث يبدو ما يكتبه رواية داخل الرواية، ليتناوب السرد بين التاريخ والشخصيات تباعاً في بنية النص. مترجم «أنا القدس» إلى العربية، صالح الأشمر (١٩٤٥) الذي عرفناه في ترجمة «حجر الصبر» لعتيق رحيمي وأعمال أوليفييه روا مثل «الجهل المقدّس» و«عولمة الإسلام» (دار الساقي) و«العاشق» لمارغريت دوراس (الجمل)، يصرّ على أنه يمارس الترجمة كنوع من المتعة والشغف. في حواره مع «كلمات»، يشرح انطباعاته حول «أنا القدس» التي لم تصدر بالفرنسية بعد لاعتبارات تتعلق بحساسية دور النشر من جرأة سينويه اللبناني الأصل، المصري المنشأ، والفرنسي الهوية في تفنيد الأساطير المؤسسة للدولة العبرية حول تاريخ حصري ومثبت لـ «شعب الله المختار» فوق «أرض الميعاد». بعد ترجمته للكتاب، يؤكد الأشمر انطباعاً بأن «مملكة إسرائيل» التاريخية المزعومة لم تكن سوى إقطاعية صغيرة أو «قرية كبيرة» تشمل القدس والجليل وبعض الضواحي يحكمها زعماء محلّيون يتم تعيينهم من حكام الإمبراطوريات المجاورة التي كانت تسيطر تباعاً على فلسطين كلها. الانطباع الأهم بحسب المترجم، بعد استعراض الرواية لحقبات الحرب والسلم التي مرت بها المدينة منذ تأسيسها حتى استيلاء الصهاينة عليها في نكسة ١٩٦٧ هو أن المدينة لم تعرف فترات ذهبية يُسمح فيها لأتباع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام بممارسة شعائرهم إلا في العهد العربي الإسلامي. عن تجربة صالح الأشمر في الترجمة ونقل «أنا القدس» إلى العربية في فترة حساسة من تاريخ المدينة المقدسة حيث تجرأ دونالد ترامب حاكم الإمبراطورية ــ التي فاقت في جبروتها إمبراطوريات البابليين والآشوريين والفرس والرومان ـ على اعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة «إسرائيل»، يأتي هذا الحوار في سياق رد الاعتبار لـ «زهرة المدائن» التي ترحل إليها عيوننا وقلوبنا كل يوم.
صالح الأشمر: لم تكن القدس مدينة يُسمح فيها لأتباع الديانات الثلاث بممارسة شعائرهم إلا في العهد العربي الإسلامي

كيف صرت مترجماً وما كانت ترجمتك الأولى؟
- منذ فترة وجيزة، عدتُ من باريس التي اشتغلت فيها في مجال الصحافة، وبدأت أعمل في وزارة الإعلام اللبنانية كمدير للدراسات. لم يخطر في بالي وقد شارفت على التقاعد أن أقوم بعمل في مجال الترجمة حتّى تعرفت إلى السيدة رانيا المعلّم مديرة «دار الساقي»، فاقترَحَت عليّ البدء بترجمة كتاب ضخم هو «الجهل المقدس» لأوليفييه روا. راقتني التجربة لأن المؤلَّف يتناول تعصّب وجهل جميع الفِرق الدينية وقد شبّهته بكتاب الشهرستاني «الملل والنحل». حققت الكتاب بما فيه من تحليل واستشهادات ومراجع ونقلتها للقارئ العربي ليلقى نجاحاً باهراً، حتى إنّه صنّف الأول في «معرض بيروت العربي للكتاب» في حينه ضمن فئة الكتب المترجَمة. أكملت ترجمة أوليفييه روا في ثلاثة كتب جديدة: «الإسلام والعلمانية»، «الجهاد والموت» و«عولمة الإسلام». من بعدها، ترجَمتُ لعتيق رحيمي الكاتب الأفغاني الأصل والمقيم في فرنسا، لأبدأ من بعدها رحلة جديدة في الترجمة مع الصديق خالد المعالي الشاعر والناشر الجريء صاحب «دار الجمل» في روايات متنوعة.

بين نظرية تقول بأن الترجمة خيانة وأخرى تدعو للأمانة، أيَّهما تختار؟ وهل توافق العبارة الإيطالية الشهيرة: Traduttore, Traditore التي يُستشهد بها عادة؟
- الترجمة هي إجادة نقل الفكرة والصورة من لغة إلى لغة، وهي لذلك تقتضي الأمانة لا التصرّف. هي تنقل روح النص وتحاول قدر الإمكان أن تسايره في المستوى السردي وأن تنقل بناء الجُمل وتراتبها من اللغة الأجنبية إلى ما يناسبها في اللغة العربية مثلاً. لكلّ لغة أسلوب وسياق معيّن، وهذا لا يعني الابتكار وإنما يعني الإتقان والتملّك، أن تكون أميناً للنص المترجم ومتملّكاً للّغة التي تترجم فيها. إن معرفة المترجم باللغة التي يترجم إليها وبثقافة هذه اللغة هي الأساس في نجاح ترجماته. على المترجم أن يكون مثقفاً وواسع الاطلاع بحيث لا تغيب عنه أيّ شاردة أو واردة من خلفيات النص الأصلي، وحتى يتمكن من التعليق على المؤلف في خال الخطأ أو الشبهة أو الانحياز لوجهة نظر دون أخرى مثلاً. الجملة الإيطالية الشهيرة حول خيانة الترجمة قد تصحّ في مجال الشعر، لأن في ترجمة الشعر كتابة لنص فوق النص، وهو ما لا ينطبق على الرواية والنقد والفلسفة والعلم. إن كان لكاتب ما أسلوب بسيط ومباشر في الرواية أو النثر، فلا يمكنك عند الترجمة أن تصنع منه جُملاً شعرية واستعارات. حين يتَرجم أحدهم إلى العربية، ينبغي أن يتتبَّع روح النص الأصلي ويقدّمَه بما يليق به في اللغة العربية. أما إذا كان هذا المترجم لا يتقن العربية من أساسها، فأنصحه بأن لا يقرَب الترجمة، بل أقول له: اقرأ واستمتع فقط.

كيف تعرِف أنك قد أنجزت ترجمة جيدة؟
- بصراحة أنا ناقد نفسي وأعمل على كل ترجمة بمحبة وشغف، بحيث أنني لا أترجم كتاباً لا أحبّه. لست مترجماً محترفاً وأعتبر نفسي من هواة الترجمة التي أجيدها فقط من الفرنسية إلى العربية. في هذا المجال، أنا متطلب من نفسي أكثر من المؤلف. وحين أشعر أن ما كتبته يرضيني ويسرّني، أتيقن أن هذه الترجمة ستلقى نجاحاً عند القارئ وهذا ما يحصل دائماً، إذ إنني لا أترجم أكثر من مؤلَّف في السنة الواحدة ونادراً ما ترجمت كتاباً لم يحز في نفسي الرضى. حصل ذلك مرة مع كاتب حاصل على نوبل. قرأتُ الكتاب وقلت لمسؤولة دار النشر إن هذه الرواية ضعيفة ولا تعجبني، فأجابت بأنها أفضل ما عند هذا الكاتب.



هل لديك علاقة حب/كراهية مع الكلمات؟
- في كل لغات العالم هناك كلمات ميتة، ولو بقيت في التداول على مستوى اللغات العامّية أو الدارجة، وهذا الموضوع له حساسية كبيرة في لغة متينة مثل اللغة العربية. عندما تُرفض بعض الكلمات من أقلام الكتّاب والشعراء جيلاً بعد جيل، ماذا نفعل بها؟ معروف في التراث العربي ما يذكر حول غرائب الكلام والصيغ المهجورة في التعبير. لكن للأسف رغم ذلك لم يوضَع بعد معجم موسوعي شامل تاريخي للغة العربية بحيث يقدم المعاني للمفردات بحسب استخداماتها ومعانيها على مر الزمن، ليؤكد أن هذه الصيغة أو ذلك الفعل أو النعت قد قلّ استعماله أو أصبح من التراث ولا يمكن تكراره، وهو جهد قد تم إنجازه في لغات أخرى مثل معجم «روبير الكبير» الموجود في الفرنسية مثلاً. في جانب الحب، أنا أميل إلى البساطة والسهولة والتناغم بمعنى أن تكون الجملة رشيقة وواضحة وخالية من الغموض والتعقيد إذا أمكن، ومتخففة من البيان المصطنع والرطانة والبلاغة غير اللازمة. أحِبُّ إيصال المعنى بأقل الكلام وأسهله لأنني أترجم لعامة المثقفين وعامة القرّاء، ولذا أفضّل أن يصل إليهم أسلوبي براحة ويُسر.
تسمية أورشليم هي في الأصل للكنعانيين ومعناها مدينة شليم، وشليم إله كنعاني يعني إله السلام


هناك أساطين تتعلق بالترجمة مثل أن الترجمة الجماعية لعمل معين هي أفضل من الترجمة الفردية، أو ضرورة أن يكون المترجم محترفاً، وأن العزلة هي شرط أساسي في الترجمة كما في الكتابة. ما رأيك؟
- الترجمة الجماعية هي للمعاجم والموسوعات وبعض الأعمال العلمية. في الرواية وعلم الاجتماع أو الفكر والفلسفة، ستضرّ كثرة المترجمين حتماً بروح المؤلَّف وأسلوبه وتماسكه. في ثنائية الهواية/ الاحتراف، قد يكون مترجم من الهواة شغفَهُ نَصٌّ أو مؤلِّف ما أكثر سداداً وألمعية من مترجم محترف مجبر على التعامل الآلي مع نص معين ليعتاش من ترجمته. العمل المتقَن يجب أن يتضمن قدراً كبيراً من المحبة من ناحية المترجِم. أما بخصوص العزلة، فهي قد تكون مفيدة لشاعر أو لفيلسوف. أما المترجم فيجب أن يكون منصتاً أكثر لما هو شائع من الاستعمالات اللغوية للغّة التي يترجم منها واللغة التي ينقل إليها. قد يتطلب عمله عزلة من نوع اعتزال الصخب وقت إنجاز الترجمة.

ترجمت أخيراً «أنا القدس» لجيلبرت سينويه (منشورات الجمل ـ ٢٠١٩). كيف تقدم الكاتب للقارئ العربي؟
- هذا الكتاب اقترحه عليّ الناشر خالد المعالي فصلاً فصلاً، ولم يكن العمل قد أُنجز بعد من قِبل المؤلف بشكل كامل. كان مقرراً أن يصدر الكتاب بالعربية متزامناً مع النسخة الأصلية الفرنسية (التي لم تصدر في فرنسا بعد). جيلبرت سينويه هو كاتب لبناني الأصل، مصري المنشأ وفرنسي الجنسية. هو لا ينطق باللغة العربية بل يعرف شيئاً من العامّية المصرية، وقد بدأ يكتب في سن الأربعين تقريباً روايات تاريخية من باب تعريف الغرب إلى حضارات الشرق التي تسري في عروقه دماؤها الشرقية والمصرية. كتب سينويه عن اختانون وابن سينا ومملكة دلمون في البحرين والنبي محمد وعبد الناصر والمسيح وغاندي، وأصدر حتى الآن أكثر من ثلاثين رواية. لم أكن متابعاً لسينويه في السابق، بل كنت قد قرأت له كتابين ممتعَين فقط وبخلفية تاريخية.

هل سينويه مؤرّخ يلبس ثياب الروائي؟
- لا يكتب جيلبرت سينويه التاريخ، بل يكتب رواية تاريخية يعتمد فيها على نصوص تاريخية ثم ينسج حكاية أو حبكة سردية في قلب هذه المعطيات التاريخية، ليخلق رواية داخل الرواية، كما في «أنا القدس»: الراوي الأساسي هي القدس نفسها التي تتكلم عن تاريخها، ولكن هناك أيضاً رواية حول عائلة أبيساف وبقية العائلات. إنها وسيلة للإضاءة على العصر والتحولات التي لا تستطيع القدس نفسها أن ترويها، فهو يشبك الأحداث فيها وهو موفق في هذا العمل كما في رواياته الأخرى. جيلبرت سينويه أشبه ما يكون بجرجي زيدان ولكن بمدى معرفي أوسع نظراً إلى الهوة الزمنية التي تفصل بين الرَجُلين. جرجي مثلاً في «عذراء قريش» أو «غادة كربلاء» يخترع قصة ويضع المعطيات التاريخية في أحشاء هذه القصة. كما يمكن راهناً مقارنة طريقة سينويه بما فعله أمين معلوف في «ليون الأفريقي» أو «سمرقند».

القسم الأول من الكتاب يظهر أن اليهود في الأصل جماعة صغيرة من الغرباء قدموا إلى القدس وأقاموا فيها برضى السكان الأصليين


ما هي المعلومات التاريخية التي تقدمها الرواية للقارئ في قالب روائي؟
- لا تغيب الرؤية النقدية للتاريخ عن «أنا القدس»، بخاصة في ما يتعلق بنقض السردية التوراتية حول المدينة، إذ تكشف الرواية النقاب عن الكثير من مبالغاتها، كالحديث مثلاً عن مملكة إسرائيلية كبيرة ومترامية الأطراف لا أساس لها في التاريخ، أو بطولات يوشع بن نون الذي اجتاح مدينة أريحا لينفخ في الأبواق وتنهار الأسوار، فأريحا كانت مهدمة منذ أكثر من مئتي عام عند قدوم يوشع بمقاتليه إليها، أو في ما يتعلق بعدد المقاتلين حيث يربو عددهم على السبعين ألفاً في العهد القديم وهم لا يتعدّون المئات. يظهِر القسم الأول من الكتاب أن اليهود في الأصل جماعة صغيرة من الغرباء قدموا إلى القدس وأقاموا فيها برضى السكان الأصليين. ولما استقروا، جعلوا لأنفسهم كياناً ذاتياً ذا طابع ديني بعدما أخذوا معتقداتهم من سكان المنطقة الأصليين. تسمية أورشليم هي في الأصل للكنعانيين أصحاب البلاد ومعناه مدينة شليم، وشليم إله كنعاني يعني إله السلام وكذلك معبودهم يهوه، الإله الذي اقتبسوا اسمه وعبادته من الشاسو أو قبائل الهكسوس الرحّل. لم تكن «مملكة إسرائيل» التاريخية المزعومة سوى إقطاعية صغيرة أو قرية كبيرة تشمل القدس والجليل وبعض الضواحي، وملوكها من الكهنة ممن كان يتم تعيينهم من حكّام الإمبراطوريات المجاورة التي كانت تسيطر تباعاً على فلسطين كلها. كان الفلسطينيون بمختلف أصولهم هم الأكثرية الساحقة من سكان البلاد وكانوا على نزاع دائم مع العبرانيين. تم ترحيل اليهود عن البلاد مرات كثيرة وكانت عودة بعضهم إليها بفعل التسامح والتدابير الإدارية وبأمر من ملوك الإمبراطوريات المسيطرة على المنطقة بأكملها من الآشوريين والفرس والرومان. حتى على المستوى الديني، تبدّلت معتقدات اليهود مراراً حيث اتّبعوا ديانات وثنية تحت تأثير القوى الأجنبية المسيطرة، وكانت الحروب بين اليهود أنفسهم أكثر من أي حرب ضد أطراف أخرى.

ما هي المصادر التي اعتمد عليها سينويه في روايته، خصوصاً أن هناك مراجع قد ذيَّلتها أنت في كعب بعض الصفحات؟
- اعتمد سينويه على رواية التوراة للتاريخ القديم وقد ظهر ناقداً ومتشكّكاً في سرديتها للأحداث كما أسلَفت، ثم اعتمد على المصادر التاريخية الحديثة التي تناولت الفرس والرومان وغيرهم حتى الفتح العربي والحقبة العثمانية وصولاً إلى التاريخ الأقرب في محطات مثل إنشاء الكيان الصهيوني والانتفاضتين الأولى والثانية. هي مصادر غربية محققة في معظمها، فهو يشير مثلاً إلى أضاليل يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي في رواياته والمنحازة لتاريخ العبرانيين ويسفّهها.

هل أعطى سينويه الحقبة العربية والإسلامية في تاريخ القدس حقها أسوة بباقي الحقب؟
- لم يفصّل سينويه في كل المحطات، وإلا لتحولت الرواية إلى كتاب ضخم للتاريخ. بعد الفتح العربي، كان لا بد له من أن يتكلم قليلاً عن الحقبة العثمانية وقبلها عن صلاح الدين والحروب الصليبية. ولكنه أشار إلى المحطات المفصلية كالعهدة العمرية حين أعطى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين الأمان عبر ميثاق تعاهد عليه مع مطران المدينة الذي يمثل أعلى سلطة دينية فيها. عندما جاء عمر إلى «ايلياء»، كانت مدينة مسيحية ولم يكن فيها إلا قلة قليلة من اليهود، أي إنّ سكانها كانوا من الكنعانيين لا من العبرانيين، وهو ما يرد تفصيله في الكتاب.

هل لدى الفرنسيين شغف معرفي بالشرق منذ أيام نابوليون يقودهم إلى كتابة هذا النوع من الروايات؟ هل تحظى روايات سينويه بالإعجاب في فرنسا؟
- لا أظنه شغفاً معرفياً بقدر ما هو نوع من «الإكزوتيك» وفضول لمعرفة الغريب والمختلف في المجتمعات العربية والإسلامية. سينويه ناجح في فرنسا لأنه يقدم رواية فيها عوالم جديدة بأسلوب بسيط يمكن قراءتها في المترو والحديقة العامة والمنزل، وهي غير مخصصة لفئة عمرية دون غيرها وقد ترجم إلى أكثر من لغة.

ينقض سينويه الرواية العبرية والإسرائيلية حول المدينة، لكنه يستشهد في نهايتها بشمعون بيريز وعموس عوز ليدلل على ضرورة سلام ما في المدينة المقدسة. لماذا استدعاء هذين الرمزين، خاصة أن سرديتهما لا تختلف عن السردية الرسمية الإسرائيلية؟
- ككاتب فرنسي، يبدو أنه قد تساهل قليلاً حتى يُنشر لأنه حتى الدار التي كانت تطبع له، رفضت أن تنشر العمل. هو يريد أن يقول إن اليهود بلسان بعض مثقفيهم مثل عوز يعترفون بأن هذه المدينة لا يمكن أن تكون ملكاً لشعب وحيد، كما أنه كمؤلّف فرنسي ربما لا يمكنه أن يجاهر بما نطالب به نحن بأن تتسع القدس لجميع الأديان تحت السيادة العربية الشاملة. لم تكن القدس مدينة يسمح فيها لأتباع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام بممارسة شعائرهم باعتراف الكتاب إلا في العهد العربي الإسلامي.

جيلبرت سينويه أشبه ما يكون بجرجي زيدان ولكن بمدى معرفي أوسع، أو بأمين معلوف في روايتيه «ليون الأفريقي» أو «سمرقند»


هل «أنا القدس» هو العمل الأقرب إلى قلبك مما نقلته إلى العربية؟
نعم وأضيف إليها «حجر الصبر» لعتيق رحيمي؛ هذا العمل مدهش في لغته وقوته تكمن في تأليفه، لا في ترجمته فقط، وهو الآن يباع في الطبعة الثالثة: اللغة والجو المشحون داخل الغرفة والمونولوغ والمرأة المقموعة التي تطل من خلال هذه الغرفة على كل أفغانستان، أفغانستان الحروب والقبائل والتزمّت الديني والتخلف الاجتماعي خطوة خطوة كحبات السبحة التي تكر في يدها واحدة تلو الأخرى.

هل من ترجمة جديدة قادمة؟
- بين يديّ رواية لنفس المؤلف (سينويه) لم يكتمل تأليفها بعد وتترجم تدريجاً