حين زارت إيزابيلا حمّاد فلسطين للمرّة الأولى سنة 2013، كان ذلك لقاء مع أرض الحكايات، وتاريخ عائلي سمعته مراراً من جدّتها في لندن. قضت الكاتبة الفلسطينية البريطانية بدورها أشهراً هناك لتستمع إلى مرويات أخرى من الفلسطينيين، كبحث شفهي وتاريخي لباكورتها الروائية «الباريسي» التي صدرت أخيراً عن دار «غروف بريس» الأميركية. ظهر اسم حمّاد للمرّة الأولى حين نالت قصّتها القصيرة «السيّد كنعان» جائزة «بليمبتون» (باريس ريفيو أوف بوكس) عام 2017.

شابّة في السابعة والعشرين، تأخذنا في روايتها الخيالية التاريخيّة إلى فلسطين بين الاحتلالين العثماني والبريطاني بصوت معاصر. رواية رومانسية شبه النقّاد أسلوبها الواقعي البطيء والمتمهّل بكلاسيكيات ستاندال وفلوبير. تتبع الشاب مدحت كمال، ابن التاجر الثري من مدينة نابلس. قراره بالسفر إلى فرنسا لدراسة الطب خلال الحرب العالمية الأولى لن يدوم طويلاً. من مونبلييه، ثم باريس، فنابلس مجدّداً يعيش الشاب تمزّقاً بين بقعتين عنيفتين، وبين هويّتين. في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» بداية الشهر الحالي، قالت حمّاد إنها كانت ميّالة إلى وجهة النظر التي تستكشف تعقيد الحياة الفلسطينية بعيداً عن الاختزال الثنائي للفلسطيني بين محارب وضحية. ورغم تبنّيها المنظور الفلسطيني، أكّدت أنها لا تهتمّ بكتابة تاريخ حاسم، بقدر ما تريد أن تدخل عبر الخيال إلى التاريخ. وإذ تفعل ذلك في روايتها، فإنها ترجع إلى حقبة تاريخية تعود إلى سنوات سبقت التواريخ الفلسطينية الكبرى اللاحقة أي النكبة والنكسة والانتفاضات. تلك الظروف السياسية التي مهّدت للاحتلال الإسرائيلي، لا تزال تثير إشكاليات معاصرة حول الهوية والاحتلال اليوم. سبق صدور الرواية احتفاء إعلامي عالمي، وشهادات من بعض الكتاب مثل الروائية البريطانية زادي سميث. على أن ننتظر صدور النسخة العربية من «الباريسي» قريباً، خصوصاً أن حقوق الترجمة بيعت منذ الآن.