مُعتقدات قديمة
في طفولتي
كنتُ أعتقد
أن حوائط العالم كُلها
لونها رمادي
وأن البيوت تولد
عشة
ثم تصير مع السنوات
طوابق عديدة
وأن المدخنين رجال
أشرار
وأن جسدي لن ينزف
هكذا
طوال العمر

وحين كبرت
صار بمقدورنا أن نَطلي
الحوائط
وأن نجعل للبيت
ثلاث شرفات
كما صرتُ مُدخنة
شرهة
لكن جسدي لم يتوقف
عن النزيف
وصار بإمكاني أن أصنع
من دمي
أيدي كثيرة.

النافذة

لم تكن النافذة تريد سوى
أن تطل منها امرأة
تلوح لأحدهم
كي تطلب منه آسفةً
أن يجلب لها من الكشك
سجائر أو علبة لبن
لرضيعها
الذي يصرخُ

لم تكن النافذة تريد سوى
أن تقوم بدورها:
أن تُفتح في النهار

وأن تمر من أمامها القطط
والكلاب والسيارات
والناس أيضاً

لم تكن النافذة تريد سوى
أن تغمض أضلافها
في الليل


لم تكن النافذة تريد سوى
أن تظل
نافذة.

ليلٌ يزحف على بطنه

«البرطمان» الذي أعبئ فيه
الليل والوحشة
وأضعه فوق دولاب بيتنا الكبير
دولاب بيتنا الوحيد
سقط مني
وأنا أحاول إنزاله
لأضع فيه مزيداً
منهما

«البرطمان» تهشم
وتناثر فتاته على
البلاط

الوحشة لم تصدق نفسها
وهرولت بعيداً،
بينما بدأ الليل
-يا لدمي الهارب-
يزحف على بطنه
باتجاهي.

الثقبُ

الثقبُ الذي في قلبي
الذي أحدثتهُ صخرة
وقعت من جبلٍ مررتُ من أمامه

الثقبُ الذي لم أفكرُ يوماً
بسبب كسلي
في أن أرتقهُ بقطعة قماش
اتسع جداً
إلى أن صار قلبي
محض حافةٍ
تقفُ عليها الصخور
لتُلقي بنفسها على أي أحدٍ
يمرُ من أمامها.

على الأشياء أن تكون نفسها

على الماضي أن يبقى ماضياً
على الميت كذلك
على الوردة وبراد الشاي

على الأشياء أن تكون نفسها
على عينيّ مثلاً ألا تفكرا
في أن تتحولا إلى
أذنين

على رأسي ألا يحلم
بالمشي
وعلى ساقيّ ألا تطمحا
إلى الطيران
على أنفي أن يتقبل
أنه خُلق هكذا
وحيداً
على أصابعي العشرة
التوقف عن المشاجرة
واستيعاب فكرة
أن لا واحد منها يُشبه
الآخر

على ذراعيّ أن تتواضعا
قليلاً
لأن وجودهما
في أعلى جسدي
لا يميزهما في شيء

على بطني الرضا
بأنه مكتنز
بعض الشيء

على باب غرفتي
الذي أفتحه كثيراً
وأغلقه كثيراً
ألا يقوم بدور أمي
وألا يحتضني
كُل صباح.

رجلٌ من زجاج

في فترة ما
فترة ليست ببعيدة
أحببتُ رجلاً من زجاج. 
كلما لمسته
كلما حضنته
كلما قبّلته
خُدشت

كلما غضبت
منه
أخبط كتفه بعنفٍ
أو بدلالٍ
فينكسر جزءٌ
منه
هكذا
بقينا

حتى وجدتُهُ
في يوم
محض فتات
أجمعهُ
بيدي.

بعد مئة عام من الآن

بعد مئة عام من الآن
سنكون أنا وأنت في مقبرتين مختلفتين
حتماً سأشتاق إليك
وهذا سيزعج زوجي الراقد إلى جواري
زوجي العاجز عن الصراخ
أو تحريك يديه
ليضربني
حتماً ستلتقي أرواحنا في منطقة وسط
لتكونَ غرفة الفندق
التي قضينا فيها ليلتنا الأولى

بعد مئة عام من الآن
ستؤلمني عظامي كثيراً

عظامي التي تكوّمت فوق بعضها البعض
ستؤلمك أيضاً عظامك لأنها ذات يوم
كانت تلامس عظامي

بعد مئة عام من الآن
سيزورني أبناؤك
لأنني كنتُ صديقة أمهم الوفية
وسيتذكر أبنائي كم كنت تحبهم

بعد مئة عام من الآن
سيكون جميعهم على وشك الموت
على وشك أن يعرفوا
حقيقتنا.
* مصر