دقائقبقيت لي دقائق من النور
لن تقعي أمامي
لا أريدكِ أن تختفي اليوم أيضاً
لا أريدكِ أن تظهري شبحاً
هناك فقط دقائق
لن أعود إلى ذلك المكان
لن تغريني هذه الشجرة
التي ستمتلئ بعد قليل، بالغربان
لن أصغي بعد
الرسالة نفسها تتوقف في الوسط
لا أعرف لغة السماء
لأ أعرف متى تصل المرئيّة
متى تهبّ العصافير من المخلاة
متى تطير الأرقام إلى الأرض
هل تبقى السنوات معلقة في سقف العالم
هل نجد النبؤات مطوحة على الضفاف
«رأس» لمروان قصّاب باشي (تيمبرا البيض على كانفاس ــ 195×260 سنتم ــ 1976)

أسماء مهولة
تتكرر بمزيد من العواصف
أسرار واقفة على القواس
قواس قزح ملتهب لا يعبره أحد

دقائق تتحطّم بدويّ
لن تكوني بتول هذه الساعة
لن أنتظر حتى يقع الوقت منكِ

تقاطعات مخيفة
مربعات كالأقفاص
وفقط
جدران مفخّخة
مزيد من الأشياء التي تسقط
من الآيات المغدورة
مزيد من الحقائق النائمة

دقائق من النور في فقراتي
أشعّ حتى تطويني الظلمة
وتواريني الأرض

ستكونين لي
لكن علي أيّ حجر ندور
على أيّ قوس نتحد

أكون قفصكِ وتكونين لؤلؤتي
ترقد عامين إضافيين في حدائق المرجان
في ريح الغرب

استدعي السنين وأطعمكِ منها
اطرد الوقت عنها
وأطعمكِ منه

ليس لي أن أعود إلى ذلك المكان
حيث تقاطعنا
المكان الذي نام بيننا

سنيناً حتى يستدير الجمال
حتى تقفيّ الظلمة
حتى يخلو العشّ
سنين مطرّقة لنتصلّ عليها أو نفترق
ماذا أمام النور سوى الغبار
ماذا بعد الظلمة
غير الخلاء
ماذا يتسقّط من الوحشة
ماذا يبقى من حجرة الصيف
ماذا بعد الجمال
سؤال يتحول رماداً
لا الصمت ينزف
ولا الكلام

لو أنتِ معي لكنتِ أجمل من مختصرة
لو أنتِ معي
لكنت أقرب من شبح
لو أن ما بعدكِ أكثر من غياب
لو نفترق بحجر آخر من الألم
لو أنه مجرد جرح
لو كان الموت شفافاً كالحب
لو نترك خلفنا أكثر من الوقت
لو أن ما بعدكِ أقرب من خطوة
لو أننا نبذر في الريح
لو أننا نبذر في الصمت
لو أن جنينة في ما بعد الحياة
لو أمكن أن يعاد زرعنا
في واد آخر

فقط دقائق من نور
ولن أعود إلى ذلك المكان
دائق من نور
لا تطيق نوراً يسقط عليها
لا تأتيها العتمة لكن تتبدد
في الضوء والخفاء
ليست أسراراً
لكن رسائل للهواء
ليست شموعاً لكن أعداداً
تخفي في الشمس

متى تصل المرئية
هل نترك العالم قصيدة خلفنا
ماذا لو كانت أكذوبة
ماذا لو كانت هباءً

تقاطعات مخيفة
لكن المربع الذي يسقط منها
لن يرجع الى البداية
لن يعاد زرعه
ولن يبقى أحجية
يمكن أن يكون فقط الكلمة - الشمس
أو وثن العالم
أسميتك الوقت
أودع عندكِ ما أنساه
ما كان يعد بالذكريات
ما صار وقتاً فحسب
أودع فيكِ ما سميته حياتي
بدون أن أعرف من سلّمنيها
ومن أتمنني عليها
أترك لك القصائد التي تصلك بيضاء تماماً
صنعتها كما يصنعون السراب والأشباح
متأملاً ان تبقى وثناً
ماذا بعد أن يستدير الجمال
بعد أن يقفّي العالم
ماذا يترك اسماً للصفر
هل يبقى المربّع في النقطة الباقية
من الوجود
هل يظل فوق الحطام
يتذكّر ما لم يعشه أحد
ربما تعود الكلمة الى قوس قزح
ربما يعاد زرع الكائن هناك

الألم بأرخص طريقة
تنظف أسناناً غير موجودة
لكن لا تعرف أنك غيرك
أنك هذا المار بالصدفة
ولا تحتاج طبعاً الى بطاقة أو اسم
يمكن أن تختار اسماً لهذه الليلة
وترد رأسك المعار غداً

لقد صنعنا أطفالاً لن يكترثوا بنا
ولن يحملوا بالطبع أسماءنا
سيستعيروننا فقط
قبل أن يفسدوا عظامنا

ابكِ، يوجد ألم حقيقي
لا يُصنّع الألم لأنه نظيف
ولا آلة لصناعته
الألم بأرخص طريقة
معروض على الطرقات
لكن أيضاً في المتاحف
ستنتقل من شاشة الى شاشة
وتتلقى الحياة في علب وتقارير

نحن أحرار فقط حين ننام
للحب ورقة
للسأم صفحة خاصة

سيفكر ساقك
ويتكلم عوضك
ركبتك محطة وكذلك قلبك
وأنت تسافر في نفسك
ستمضي شهراً في أذنك
وتقيم في فمك
وبالرسائل تطوف العالم
ستكوناً أحياناً جرذاً
وقد تحلم بك امرأة
هذا يحتاج الى سحر
لكن الرعد وحده حقيقي
الأشجار يمكن صناعتها بالقلم
العشب قد يطلع من الأغاني
الألم حقيقي
وستتعذب،
حين يصل وجهك من المختبر
أو تتلقى حياتك في رسالة


جنينة آدم
اسمي مخطوطاً بعظام صغيرة
اسمي مع شيء من لحم الموتى
خارجاً من الكهف مع ثقب في الوسط
أحاول أن أدسّ فيه
حذائي الضخم وخرقتي
أن أرمي سمكة في عينيه
أجرّ ورائي معطفي ذا الجيوب الكبيرة
قطعة حبل
وحدها التي بقيت لي من بيتي
قطعة حبل وعملة معدنية
وعلبة كونسروة وإبرة بخيط
صورتي، قبل أن أرميها
مدمىً ومغطىً بالضمادات
هكذا استدرتُ عن المعركة
استدرتُ عنها أيضاً
حين ضمّدتُ حذائي، قطّعتُ هويتي
ظلّي مقطّعاً أيضاً في أرض الفنجان
المقطع على أرض الشرفة
أضفت إلى ذلك سلسلة الأموات
التي تمددت في سطر غير منقّط
من الأبرياء الذين سقطوا عنها في الطريق

انفجارات حنين وقلوب مكويّة
وأسنان كبيرة تحت الكلمات
ماذا تفعل؟
إذا لم يعد في الشارع سوى هذه الممسحة
إذا لم يعد سواها
نقطة على هذا السطر
لا يعود مرئياً غير هذه الحفرة
وعليك أن تلقي فيها الضمادات
الملموسة من آخر معركة
والأحذية المتروكة على الصحراء
عليك أن تضيف ملاكاً
إلى الخردة الباقية
أن تدسّ فيها أرزاراً وأسلاكاً
وأرواحاً فاسدة
أن تعيد صناعتها بالكذب الصافي
بالريح الكاملة،
بدم الشيطان

إذ عليك أن ترتفع بجناحيك
أن تقف تحت الساعة
وقدرك بين حاجبيك
لن تكون هارباً
إذ نزعت اسمك المضمّد
من جيوبك الكبيرة
إذا نزعت عن رأسك
القبعة التي كانت هويتك في يوم
إذا رميت في الحفرة عباءة جدّك
المسألة كلها
الأسماء التي نسيتها
وأحذية الهاربين الباقية
من آخر المعارك
الأسماء التي نسيتها
الأسماء المقطوعة الرأس
والهويّات المقدّمة كأطباق
وآخر شاهد على نشأتي
في القلاع وبين الحيوانات الضارية
وأصحاب اللحى النادمين
وأهل التوبة
وكل من يوزن بالتراب أو الدم

الآن نعرف أن كل ذلك حدث في غيابنا
الذي ترك بقعاً في كل مكان
ترك تواريخ وحطاماً وأساطير أيضاً
لا أحد الآن إلا من لا أحد الأمس
ولن يكون غداً سوى لا أحد

الشهداء يختفون أولاً
إنهم يصدرون عن الأب الكبير
الذي لا يورث ولا يلد ولا يتكلم
هذا الناغر الذي يشعر باستمرار
أننا نرمي فيه سمكة
أو نصعد إليه
على كتف ملاك
ازرع في هذا الغيب بذرة
أيّ كلمة وأيّ سطر
أنت في جنينة آدم
وستكون هذه هويتك
أمام الفراغ
ستكون جثمانك أيضاً

الكلاب أيضاً بلا سرير
والبيوت ليست قمصاناً
والكلمات قمح الموتى

الانتظار
الحقائق مرمية من النوافذ
العلب متدحرجة من الحافلة الأخيرة
المسافرون مغمى عليهم في مقاعدهم
في حين تطول خفية لحاهم وأظافرهم
القطار يتمدد في النفق
لكنه بحاجة الى زمن
ليستطيع الخروج
عقارب الساعة متعامدة على الواحدة
لكنها تعمل بلا ثوان
وبلا أرقام
ولا وقت لينهي اللاعبون لعبهم
الكرة أمامهم ولا يقدرون على تحريكها
ولا رفع كأس الشاي عن الطاولة
في المقهى
لا يجد المتبطلون القليل من الوقت
ليمرّ الصباح بدون تعب
للبطالة أيضاً أمدها
لا وقت ليستطيع القلب الساكت
أن ينام
هناك زمن في الجو
يخفت شيئاً فشيئاً
لكنه لا يستطيع أن يلحق السنة الجديدة
سيبقى راقداً تحت الأسابيع الأخيرة
رائقاً ومتفرّغاً من الهواء
ستقع حقائب وعلب كثيرة من الخلف
لقد نزلت بدون أن تلقيها يد
تحتاج الأيدي أيضاً إلى وقت
الانتظار لا يمنع الأظافر من أن تطول
لكنه أشبه بالقتل خنقاً.
بأيد صامتة
وبين عامين
انتظار يوم أشبه بانتظار خاتن
وكل يوم جديد واش آخر
وهذه الـ 2018 تصفر من بعيد
أرقامها تعمل كالمحرّكات
وتقترب من شطوطنا كالمجاذيف
2018 هناك زمن في الجو وبطالة كافية
الهباء وحده يدخن في الأعلى
الهباء وحده يملأ الحقائب

ما الذي يُضحك في هذه القصيدة
ما الذي يضحك في هذه القصيدة
إننا نؤدي درهماً عن كل يوم
وكل خطوة
فضلاً عن وجبات أسناننا
والدويبات التي تبيض في مسامنا
للسماء عملتها أيضاً
المطر والطقس وحتى الزلازل
مدفوعة سلفاً
الحياة ليست مجاناً
صلاة واحدة
عن كل خسارة
هكذا نبدأ النهار بخيانة
أو سطر من الخيانات
غلطة صغيرة لقسوط تفاحة
أو كنزول الثلج
وإذا استدنت من الله عمراً ثانياً
فبأي قطع تردّه

ما الذي يضحك في هذه القصيدة
الله وهو يلعب بالفصول
ثمة مصرف للريح
صندوق للنجوم
جريمة لا تملأ فنجاناً
ثمة موت هزيل
يقتل في المهد
العناصر تتسول من بعضها
الموت قطعة نقديّة
للسماء عملتها أيضاً
ثمة أرنب وسط العشب
سيجارة بقي رمادها
على الطريق
ثمة ملاك يموت في صدرك
كلما قطعت الشارع
ما الذي يضحك في هذه القصيدة
* خصّ الشاعر اللبناني ملحق «كلمات» بمقتطفات من مجموعة جديدة تصدر قريباً عن «دار الساقي»