حين جاء من كندا في الأربعينيات، كان سول بيلو (1915 ــ 2005) مهيّأ تماماً للاندماج في أوساط شيكاغو الأدبيّة والعاطفيّة. شيكاغو كانت عالمه الخيالي الذي جرت فيه معظم أعماله. ورث أبطاله الكثير من خصال الروائي الكندي الأميركي نفسه. كانوا مزيجاً من الأدمغة والأجساد. يجرؤون على التحليق بعيداً في الأحلام والأفكار، بينما يعيشون في عالم من لحم ودم ومن سواعد الرجال المفتولة وصيحات الباعة المتجولين. من أشهر رواياته «مغامرات أوجي مارش» (1953 ـــ صدرت بالعربية عن «دار التنوير»، ترجمة: الحارث النبهان)، و«هيرتزوغ» (1964) التي تتبع بطلاً يصبح مهووساً بكتابة الرسائل إلى الجرائد وإلى الأموات. مع ذلك، يعيش حياة أميركية أصيلة، يمضي الليالي في أحضان النساء، ويسافر إلى مدن أخرى ويحتجز بسبب حيازته مسدساً. بقيت قدماه ثابتتين في المجتمع الأميركي، لكنه كتب أدب أبطال. إذ كانت شخصياته أقرب إلى الأدب الأوروبي والإرث الإغريقي والروماني الغربيين، في بحثها عن الله والقيم الكبرى في أميركا الرأسمالية والماديّة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كتب ازدواجية شخصيات مثقفيه وأكاديمييه، مثل بطليه اللذين لم تحدّ ثقافتهما من ذوقهما المبتذل في مشاهدة الهزليات الجنسية الرخيصة. لكن ماذا عن حياة بيلو نفسه؟ بعد الجزء الأوّل عام 2015، صدر أخيراً الجزء الثاني من سيرته «حياة سول بيلو: حب وشقاء/ 1965ــ 2005» (فينتج بوكس) للأكاديمي وكاتب السيرة الأميركي زَكَري ليدر. تركّز السيرة على سنوات القمّة. كان بيلو الكاتب قد تخلّص من الفقر أخيراً، ونال شهرة كبيرة في أميركا وخارجها، توّجها باثنتين من أشهر رواياته «كوكب السيد ساملر» (1970)، و«هديّة همبولت» (1975) التي منح عنها جائزة «بوليتزر»، قبل نيله «نوبل للآداب» عام 1976. يستمر هذا الجزء من منتصف الستينيات، حتى رحيله عام 2005. لكن ليدر يبتعد عن بيلو وراء آلته الكاتبة، ليكشف عن اضطراباته اليوميّة وحياته العاطفية الدرامية وبحثه المضني عن امرأة. علاقاته بالنساء كانت دائماً مشحونة. إن لم ينته زواجه من إحداهن بالطلاق، فسينتهي في المحاكم والملاحقات القانونية لعشر سنوات كما حدث مع زوجته الثالثة سوزان. هكذا تعرِّف السيرة ببيلو الزوج والعاشق والأب، الذي كانت تجاربه الفاشلة بحثاً لا يكلّ عن شريكة ثابتة، آخرها زواجه الخامس وهو في الثمانينات من عمره حيث أصبح أباً للمرّة الرابعة وهو على حافّة الخرف، بعد علاقات قاسية ومضطربة مع أبنائه الثلاثة.