رسالة من يوليسوس
لست أبحث عنك، في هذه الجزر، يا بينلوبي العزيزة.. أنا هارب منك، لا ساع إليك. أقول للرفاق: «غداً تبدو شواطئ إيثاكا، ونرى القصر الضاحك الشرفات، ونرى بينلوب». وأقول لنفسي: «إلى أين يا أوليس؟ أتهرب من بينلوب بالسعي إليها، أم تسعى إليها بالهرب منها؟ قتلتني يا بينلوب... وشردتني في أزقة السوقة، دون تاج ولا صولجان، أغرقتني في بحار العالم حتى ذاب الملح في فكري وعاطفتي. ملح هذا الدماغ وملح هذا القلب. جزءاً من البحر أمسيت، تأتدم الشمس بي وتغسل شعرها فيّ. هارب منك أنا، لا ساع إليك. ألا زلت تغزلين كفني؟ وداعاً بينلوب.. إن كانت الأرض كروية فسأعود لألبس الكفن العنقائي اللون مرة أخرى، وإن كانت مسطحة كالبساط فسأمضي حتى النهاية، حتى أغرس حوافر سفينتي في الفراغ الكوني وأقتحم المجهول.. ولن أتراجع.. قبلي عني تليماك، وقولي له: — إن الآباء حين يلدون رجالاً.. يموتون».

رسالة من توبة بن الحمير
«وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.. حتى وأنت تمرّين بجانب القبر صامتة باردة كقمر الصحراء.. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.. أما بعد، فامزجي لنا القرب بالبعد في كأس واحدة، واسقي صدانا المستغيث، فإنا بكل تداوينا فلم يشف ما بنا. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.. أما بعد، فإن موقعنا عندك لا نعلمه، فآه لو ترين دموع الجندل والصفائح. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.. ورحمة الله وبركاته.. وبركاته».
مارك شاغال «يوليسوس وبينلوب» (مَحْفُورَة ـــ 1975)

رسالة من عزرائيل
«سيدتي، إنه عندنا هنا في العالم السفلي، ولكن حالته غريبة تماماً، كل الناس هنا أصحاء مستبشرون. أما هو فشاحب اللون دائماً مرتجف الأطراف. قلت لنفسي حين رأيته: — سيكون هذا خطراً على مجتمع الموتى. قد يكون مريضاً، وقد يكون مرضه معدياً. كانت مشكلة معقدة بالنسبة لي، يا سيدتي.. ولكنه مع ذلك كان لطيفاً وطيباً وحزيناً. أحببناه جميعاً. وأحبنا — أو هكذا خيل لي — غير أنه يذبل بسرعة. ومنذ ثلاثة أيام فقط، سقط صريع الفراش وهو يهتف باسمك. إن حالته خطيرة جداً، وليس من المستبعد أن يموت بين لحظة وأخرى، وقد رأيت من واجبي كحارس للعالم السفلي أن أخبرك، أنت، بحالته لأنه لم يذكر في مرضه غيرك. ولم يهتف لسانه طيلة وجوده بيننا بغير اسمك.. وتقبلي، سيدتي».

اسم الماء
[إلى فرجينيا وولف]
أهبط في الماء. من كل جهاتي يغمرني الماء. لا سفن ولا بحارة، لا أسماك ولا طحلب، لا شيء سوى الماء. وأنا داخل صندوق زجاجي أبيض شفاف. أرى الماء وأسمع صوتاً يصرخ: «أوفيليا.. أوفيليا.. أوفيليا» وأنا عارية أنظر من خلف زجاجي. جسمي الأبيض عار وخفيف كالريشة، لكن روحي مثقلة بالأحجار. غادرت ورائي العالم، غادرت حتى أزهاري. لم آخذ إلا زهرة واحدة: قلمي. قلمي يزهر، يتفتح بين يدي كعضو ذكورة. يلمسني.. يفتح في جسمي حلماً. أحلم أني كاتبة اسمي فرجينيا.. أعشق حتى الموت الماء، ولكن الماء.. لا يعشق إلا نفسه. الماء الأملس الخائن لا يهوى أحداً، لا يبصر من عينيه الزرقاوين سوى عينيه الزرقاوين.. وفرجينيا.. عشقت حتى الموت الماء، وألقت بهشاشتها في حضن الماء البارد بعد كتابتها للأطفال العشاق القراء الآتين رسالتها: «يا أطفالي.. ابتسموا.. حتى لو لم يحبكم أحد ابتسموا.. حتى لو لم يحبكم الذي تحبونه ابتسموا.. فإذا خلوتم بأنفسكم ليلاً، وبعد أن تطفئ ماما النور وتغلق الباب، فاذرفوا دمعتين من أجلي.. دمعتين فقط. دمعتين لؤلؤيتين من أجلي، أنا التي سأهبط في الماء الآن لأبحث عن قلب حبيبي: اللؤلؤة التي ضيعت حياتي وأنا أغربل الماء لأظفر بها فلا أحظى من الماء حتى بالماء. ها أنذي أغرق في الماء وأغرق في الماء وأستوحد بالماء فيصبح اسمي الماء ويصبح اسم الماء: فرجينيا».
* كازابلانكا/ المغرب