ترجمة: محمد لطفي السيد
البرنامج اليومي
«أثناء العطلات، أصحو في السابعة، أنزل، أفتح المنزل، أعد الشاي، أكُسر الخبز للعصافير التي تنتظر بالحديقة، أغتسل، أنفض الغبار عن طاولة العمل، أفرغ منافض السجائر، أقطف زهرة، أستمع أخبار السابعة ونصف. في الساعة الثامنة تنزل أمي بدورها: أتناول معها الإفطار المكون من بيضتين بريشت، ومن الخبز المستدير المحمص والقهوة السادة؛ في الساعة الثامنة والربع، أتفقد الجنوب الغربي من القرية؛ أقول للسيدة س: الجو جميل، الجو غائم، إلخ. وبعد ذلك أبدأ العمل. في التاسعة والنصف، يمر ساعي البريد (الجو كدرٌ هذا الصباح، يا له من يوم رائع، إلخ.) وفيما بعد بقليل في شاحنتها المملوءة بالخبز، ابنة الخباز (حصلت على شيء من التعليم، ليس هناك داع للحديث عن الطقس)؛ في العاشرة والنصف تماماً، أعد قهوة سادة، أدخن أول سيجار في يومي. في الواحدة نتناول الغداء؛ أقضي قيلولتي من الواحدة والنصف حتى الثانية والنصف. حينئذ تكون فترة السباحة: ليس لدي رغبة في العمل، أمارس قليلاً من الرسم، أو أبحث عن الإسبرين عند الصيدلانية، أو أحرق بعض الأوراق في حفرة في الحديقة، أعد حامل كتب، خزانة، علبة كروت للعمل؛ هكذا تأتي الساعة الرابعة وأعاود العمل؛ في الخامسة والربع، إنه الشاي؛ حوالى السابعة، أتوقف عن العمل؛ أقوم بري الحديقة (إن كان الجو جميلاً) وأعزف على البيانو. بعد العشاء، التلفزيون: لو كان شديد الحماقة في تلك الأمسية، أعود لطاولتي، أسمع الموسيقى وأنا أعد بعض الكروت. أدخل للنوم في العاشرة وأقرأ بالتوالي القليل من كتابين: الأول كتاب لغته أدبية رفيعة (اعترافات لامارتين، يوميات الأخوان غونكور، إلخ.) الثاني رواية بوليسية (بالأحرى قديمة)، أو رواية إنكليزية (عفا عليها الزمن)، أو لزولا.

- كل ذلك ليس منه فائدة. الأكثر من ذلك، أنت تشير لعلامة انتمائك الطبقي، بل أيضاً تجعل من هذه العلامة ثقة أدبية، حيث التفاهة لم تعد مقبولة: تنصيب نفسك على نحو استيهامي «مؤلفاً»، أو ما هو أسوأ، تنصيب نفسك.


ذكرى من الطفولة
حينما كنت طفلاً، كنا نقطن حياً يُدعى «ماراك»؛ هذا الحي سوف يكون مملوءاً بالمنازل قيد الإنشاء والتي كان يلعب الأطفال في أفنيتها؛ ثمة جور كبيرة حُفرت في الأرض الصلصالية لتستخدم في تأسيس المنازل. وذات يوم حيث كنا نلعب في إحدى هذه الجور، طلع كل الصبية، عداي، الذي لم يستطع ذلك؛ في الأسفل، بينما هم في الأعلى، يحتقرونني: ضائع! وحيد! مشاهد! مقصي! (أن تكون مقصياً، لا يعني أن تكون بالخارج، أن تكون وحيداً في الجورة، محبوساً في العراء: ساقط)؛ حينئذ رأيت أمي تركض؛ استخرجتني من هناك وحملتني بعيداً عن الأطفال، قبالتهم.

في الصباح الباكر
استيهام الصباح الباكر: طوال حياتي، حلمت أن أستيقظَ مبكراً (رغبةً طبقية: الاستيقاظ من أجل «التفكير»، من أجل الكتابة، وليس لأستقل قطار الضاحية)؛ ولكن هذا الصباح الباكر الاستيهامي، حتى لو استيقظت، فلن أعاينه أبداً؛ لأنه حتى يحدث التوافق ورغبتي، كان يجب، بمجرد أن أستيقظ، ودون إضاعة وقت أن أستطيع أن أعاينه في الاستفاقة، الوعي، تراكم الحساسية التي حوزناه مساء. كيف أكون مستعداً بإرادتي؟ حد استيهامي، هو دائماً في وضعي غير المستعد.

نوبات صداع نصفي
اعتدتُ أن أقول نوبات صداع نصفي بالنسبة لأوجاع الرأس (ربما لأن الكلمة جميلة). هذه الكلمة غير اللائقة (لأنني لا أشعر بالألم من نصف رأسي فحسب) هي كلمة مضبوطة اجتماعياً: نعت أسطوري لامرأة بورجوازية أو لرجل مثقف، الصداع النصفي هو فعل طبقي: أيُرى بروليتارياً أو تاجراً صغيراً يعاني من صداع نصفي؟ الانقسام الاجتماعي يمر بجسمي: جسمي نفسه اجتماعي.

لماذا، في الريف (في الجنوب الغربي)، تنتابني نوبات صداع نصفي قوية، وكثيرة جداً؟ أنا في راحة، في الهواء، وكذلك مصدوع جداً. ماذا أكبت؟ حدادي على المدينة؟ انتعاش ماضيّ في «بايون»؟ الضجر الطفولي؟ في أي اتجاه يكون أثر صداعاتي النصفية؟ ولكن قد يكون الصداع النصفي انحرافاً؟ عندما يؤلمني رأسي، سيكون الأمر حينئذ كما لو كنت متملكاً برغبة جزئية، كما لو كنت في حالة فيتش لنقطة محددة من جسمي: الجزء الداخلي من رأسي: هل سأكون إذن في علاقة تعسة/ غرامية مع عملي؟ طريقة لتقسيمي، لاشتهاء عملي والخوف منه في نفس الوقت؟

تختلف كثيراً عن صداعات ميشليه «المخلوطة بالعشى البصري والغثيان»، صداعاتي كامدة. الشعور بالألم في الرأس (ليس شديد القوة أبداً)، هو بالنسبة لي طريقة لجعل جسمي غيرَ مشفٍ، متصلباً، ومضغوطاً ومهملاً، أي في نهاية المطاف (موضوع رائع عُثر عليه) محايداً. غياب الصداع، اليقظة التافهة للجسم، الدرجة صفر من الحسية العضوية، كنت سأقرأها في المجمل كمسرح للصحة؛ حتى أؤكد لنفسي أن جسمي ليس سليماً بشكل هيستيري، يلزمني من حين لآخر أن أنزع عنه علامة شفافيته ويعيش كعضو إلى حد ما أخضر شاحباً، وليس كصورة منتصرة. حينئذ سيكون الصداع النصفي ألماً نفسياً عضوياً (وكذلك عصابياً)، بواسطته كنت سأقبل الدخول- ولكن فقط قليلاً ( لأن الصداع النصفي شيء مستدق)، في المرض القاتل للإنسان: ندرة الترميز.



النظام الذي لم أعد أتذكره
يتذكر تقريباً النظام الذي كتب من خلاله هذه الشذرات؛ ولكن من أين أتى هذا النظام؟ بالتتابع، كيف صنفها، وبأي تسلسل؟ لم يعد يتذكر ذلك. النظام الألفبائي يمحو كل شيء، يكبت كل أصل. ربما، في أماكن، يبدو أن بعض هذه الشذرات تتوالى في علاقة تجانسية؛ لكن المهم أن هذه الشبكات الصغيرة ليست موصولة، لأنها لا تنحدر في شبكة واحدة وكبيرة سوف تمثل بنية الكتاب، معناه. وحتى تتوقف، تحيد، وتميز مسقط هذا الخطاب تجاه مصير الموضوع، فإنه في لحظات معينة تذكرك فيها الألفباء بالنظام (الفوضى) وتقول لك: اقطع! استعد القصة بطريقة أخرى (لكن أيضاً، في بعض الأحيان، ولنفس السبب، يجب كسر الألفباء).
من كتاب «بارت بقلم بارت» (1975)