خاتم فضي يعلوه عقيق أسود: اشتريت خاتماً فضياً ثقيلاً مربع الشكل يعلوه عقيق أسود لامع، هل حقاً اشتريت خاتماً؟ أنا لا ألبس الخواتم أصلاً، أحب ترك أصابعي عارية، أحبها حرة، كما أن خاتماً ثقيلاً بإمكانه أن يربكني حين أضرب على أزرار الكيبورد. الخاتم الثقيل لا يصلح إلا لقتال الشوارع وأنا مسالم جداً، لذلك فإن آخر شيء أفكر فيه هو اقتناء خاتم فضي ثقيل.. لكني اشتريته! حسنا أين هو إذاً؟ أين اختفى؟ ولم أبحث عنه أصلاً طالما أني لا أحب الخواتم، يا إلهي كيف أمكنني دفع مبلغ من المال مقابل خاتم لا ألبسه! هل أهديته لأحد ما؟ أشك في ذلك أنا مسالم جداً صحيح، لكني لست ودوداً ولا اجتماعياً، أنا لا أعرف أحداً يستحق مني هدية كهذه، خاتم وحيد أهديته لزوجتي يوم زفافي اشترته أمي من مالها الخاص.. يستحيل، يستحيل أن أهدي خاتماً آخر، على جثتي. هل فعلاً اشتريت خاتماً ثقيلاً مربع الشكل يعلوه عقيق أسود لامع كهذا الذي في إصبعك، أشك.
■ ■ ■

حمامة وغراب: باضت حمامة في خوذة جندي مهملة. قال الغراب متهكماً: لم تجدي غير هذه عشاً؟! ردّت حمامة أخرى تحك جرحها: السواد نعمة.
■ ■ ■

السَّحّاب: تباً ليس هذا وقته، يبدو أن مقبض سحّاب سروالي قد علق في الأسفل لا يغلق ولا يفتح، أسمع ضجة خارج المرحاض، مع التدقيق في الأصوات يبدو أنه طابور من الأساتذة والدكاترة والضيوف المحترمين، هذا يعني أن الجلسة الافتتاحية للملتقى قد انتهت، وها هم الآن ينتظرون دورهم لإفراغ حمولاتهم تحضيراً لوجبة الغداء. دورة المياه التي خلف المنصة بها مرحاضان أحدهما بلا باب والآخر محصور أنا فيه بلا حظ، أصرخ بلا صوت «لم لا تذهبون إلى دورة المياه المخصصة للطلبة؟ في الأسفل كثير من المراحيض تكفي حمولات جيش كامل، اذهبوا إلى الجحيم أيها الأوغاد». حسنا سأخرج بسرعة ولا أظنهم سينتبهون، وبعدها سأجد طريقة لإصلاح الأمر، لكن لم لا أحاول للمرة الأخيرة فربما ينتهي الأمر على خير.
آن ماري توريسي «حيوانات في السيرك» (زيت على قماش)

أثناء سحبي بقوة مقبض السحّاب، انفلت من يدي المبللة فارتطمت بصنبور الماء الخبيث، الذي لا شك أنه كان يتحيّن الفرصة لينفجر مرة واحدة كبركان غاضب أفرغ كل مكبوتاته على سروالي، ولم يكتف بذلك، بل مدّ سيله حتى حذائي الجديد الذي اشتريته خصيصاً لهذه المناسبة. أقول لزوجتي لا بد أن أكون أنيقاً يوم تكريمي، وتقول لي لا تنس الصور فهي كل ما يبقى.. أقول لنفسي الآن مهدئاً من روعي، كله مقدر، كله مقدر يا زوجتي، فيها خير إن شاء الله. بهدوء تام أغلقت الصنبور ووضعت أذني على الباب فسمعت همهمات منزعجة، هدوء ثم ثلاث دقات خفيفة دون أن يتكلم صاحبها بشيء، بينما العرق البارد يجتاحني في دفعات متتالية كأنه مكتوب لي أن أكرم بالمياه هذا اليوم. يا إلهي كن معي، استجمعت أفكاري وفجأة كمعتصم أخير في الميدان قررت أن أبقى في مكاني ولن أفتح لأحد ولتحل عليهم اللعنة جميعاً.. مرت بضع ثوان كأنها دهور، أسمع أحدهم يقول لأصحابه «يبدو أن لا أحد هنا» وقبل أن أفرح، رد عليه آخر «لكني سمعت الصنبور ينفتح»، أبتسم على خيبتي وأفكر، ما العيب لو خرجت هكذا، هاه ما العيب؟ لست أول ولا آخر شخص تبتل ثيابه، سأبتسم لهم ابتسامة طفولية وأمر بسلام، لكنه يوم تكريمي! والذين ينتظرونني خلف الباب أكيد يعرفونني جيداً، أنا من سيُكرم هذا المساء أنا هو العريس المبتل، ثم ماذا لو أخرج أحدهم هاتفه النقال وأخذ صورة لي، والباقي تعرفونه أكيد، الصور هي كل ما يبقى تقول زوجتي، حسناً سأصمد نعم سأصمد، بعد قليل سيغادرون إني أعرفهم لا يفوتون وجبة الغداء الفاخرة المجانية.
■ ■ ■

الكتابة أيضاً تأتي في أشكال هندسية، هناك المستقيمة، وهناك المنحنية، وهناك المنكسرة، الدائرية، المائلة، الحادة، المنفرجة، المقعرة - يا عيني على المقعرة- أنا؟ أنا من جماعة اللي خاف انجا؛ حاصل في النقطة.
■ ■ ■

في ليلة العيد القصيرة/ تخاصم حُلُمان على رأسٍ متعب/ حفيف الشجار قرب الأذن/ جعل الرأس يتحرك في انزعاج/ طار الحلمان وواصلا تشابكهما في سماء الغرفة/ استسلم أحدهما واستعد الآخر للدخول/ حين أطل على منطقة اللاوعي/ تفاجأ بحلم آخر/ يفتش في الذاكرة عن مفقودين.
■ ■ ■

انحسر المد الأسود فوق رأسي ومد شاطئ صلعتي رجليه أخيراً، ألا فلتنعمي بالشمس الآن أيتها الأفكار الخائفة من الغرق.
■ ■ ■

لمسكين رمى حصاة في بركة التاريخ، لم يعلم عدد التماسيح النائمة فيه.
■ ■ ■

جلس عبد السميع مطولاً تحت شجرة تفاح متأملاً، بقي جالساً هناك خمسة أعوام كاملة. لا أحد استطاع معرفة ما يدور في رأس عبد السميع غير شجرة التفاح التي غيرت مكانها.
■ ■ ■

رأيت هذا المساء كلباً بخمسة أرجل! في العادة الخطوات تتطلب عدداً زوجياً لا فردياً، لكن هذا الكلب ولحكمة يعلمها الله يمرر الخطوات بين خمسة أرجل بانسياب وسلاسة تامة، ذيله الكثيف يتحرك يمنة ويسرة محاولاً التستر على أي خطأ قد يحدث أثناء السير.
■ ■ ■

بتثاؤب يلحس البحر الشاطئ، المصطافون مذاقهم مر، والصيادون بمراكبهم الصغيرة عالقون هناك في الحلق. ما بقي من الصيف في كف أوت تنفخ فيه الريح ليبرد.
■ ■ ■

خيمة سيرك لم تنصب بعد، الأوحال لم تجف، والمهرج الوحيد باع أحد القرود وفر مع عشيقته التي تلعب على الحبل، في القفص أسد ضخم يعض ذيله من الملل.
■ ■ ■

كل بنيان يؤسس على الخوف، حتماً سترتجف جدرانه.
■ ■ ■

خنجر التاريخ لا يقتل ولا يريح، يتحرك في الجرح مع كل ذكرى.
* الجزائر