نخصّص صفحتي الإبداع هذا الأسبوع لمقتطفات من أعمال الفائزين بـ «جائزة محمد عفيفي مطر الشعرية» (دورة 2018) التي أعلنت الشهر الماضي. تألفت لجنة التحكيم من الناقد العراقي حاتم الصكَر رئيساً، الشاعر والناقد المغربي عبد اللطيف الوراري، والشاعر المصري فتحي عبد الله، والشاعر والمترجم المصري أسامة جاد. وجاء في بيان الإعلان عن الفوز أنّ الأعمال المختارة تتوفر على تلك الاشتراطات الفنية والجمالية الموضوعة من قبل اللجنة وهي: «مضامين إنسانية تخدم الحرية ونبذ الكراهية والعنف والتسلط، والتوفر على حداثة أسلوبية معاصرة؛ تستفيد من منجز القصيدة العربية الحديثة، وتنوّعِ مناخاتها واهتماماتها، والحرص على جماليات اللغة الشعرية، واستثمار المخيلة والذاكرة في خلق الصور الشعرية المؤثرة، والإيقاعات المناسبة للأسلوب الشعري المستخدم في الكتابة»، إلى جانب استخدام الرموز والأساطير، والتناص والإفادة من الفنون المجاورة، والسرد، والإحالة إلى الواقع دون مباشرة أو تقريرية، وما يتاح من إشارات مكانية وزمانية وشخصيات وأحداث تعزز المبنى النصي وشعريته». أما الأعمال المتوّجة فهي: «كاريزما الموت» لسراج الدين الورفلي (ليبيا)، «إغواء الوردة العارية» لعبدالغفار العوضي (مصر)، و«ساعي بريد الهواء» لسفيان رجب (تونس).
سالڤادور دالي «وجه الحرب» ( زيت على قماش، 1940)


سراج الدين الورفلي (ليبيا): كاريزما الموت

يحدث الآن..
سبع قذائف
وموسمٌ كامل من الخيبات
ودبابة مصابة بالسعال
وجنرال حزين
يتقيأ
جثثاً
ومذابح
وأزهاراً.
أصابع امرأة فوق سريري
أصابع تصلح لأن تكون
فرشة أسنان
أو قلم تلوين
أو دبابيس فضية
نضع قليلاً من الموت الطازج
في كوب الشاي الساخن،
نشعل سجائرنا
وبعض الشوارع العالقة في ذاكرتنا
نحتسي وجعنا والشاي.
حين رجعت إلى بيتي
وأنا أردد أغنية متعبة
تعثرت بخمسة مطبات
وأربع عشرة كتيبة
ولا أذكر أني قابلت مراهقة
تبتسم.

قطيع المجازات
سنشرب يوماً قهوتنا
في مخيلة الريح،
ونعبر النهر
مثل قطيع من
الضحكات الوحشية.
■ ■ ■
ستنسانا الدنيا يا جميلتي
ويذكرنا الموت
لأننا كنا
طفولته الوحيدة.
■ ■ ■
خلف صوتك
مطر ونوافذ،
حقول وغربان،
قناع للحزن
بعد أن سقط
عنه وجهه
■ ■ ■
خلف صوتك
امرأة تغسل تعبها
بعد أن تظفر شعر الليل.

كاراڤاجيو «نرجس» (زيت على قماش، 1589-1599.)

سفيان رجب (تونس): ساعي بريد الهواء

في كل الحالات
لست أكثر عزلة من كوخ في غابة
غير أن بابي لا ينقره
سوى مطر خائف آخر الليل.
■ ■ ■
لست أكثر شعرية من نهر
غير أن مياه حزينة خضراء
تتدفق الآن من كفي.
■ ■ ■
لست أكثر حزناً من ناقة نحر بكرها
غير أني أدور حول وتد مغروس في صدري
وأزرع الصبر في الصحراء.
■ ■ ■
لست أكثر حسرة من قرد في صندوق
غير أني فقدت أرجوحتي في بستان جدي
مقابل كرسي في غرفة معلقة.
■ ■ ■
لست أكثر يأساً من فراشة أمام مصباح مطفئ
غير أن عيني الكليلتين
تتسولان قطرة ضوء من صباحات بخيلة.

لاختبار مياهك
مهمتك:
أن تجعل الحجر يصدق أنه نرجس.
لكن قبل أن تنتبه الذوات اليائسة
إلى فساد تصاويرها
عليك أن تلقن النرجس نشيده الحجري
بعد ذلك،
يمكنني أن أمنحك أحجاري
لاختبار مياهك
كما يمكنني كذلك أن أمنحك أمطاري
لجلد كل امرأة
استسلمت للنوم
تحت ظل الطرابيش والجدران.

بَاسْكْيَا «إلهامُ طفلٍ رهيبٍ» (أكرِيلِيك، 1982)

عبد الغفار العوضي (مصر): إغواء الوردة العارية

تمساح عجوز
نعم أنا تمساح عجوز بلا أسنان داخل غرفة ضيقة، ذيلي المقطوع لا يستطيع خلق توازن بين الرغبة فى التحرر وبين العجز،
أسناني لا تقوى على مضغ المرارة.. فأنام بعصافير كثيرة تسكن معدتي
■ ■ ■
فى الصباح تصبح الشواطئ الخرافية مرايا أرى فيها حراشيفي تتخلى عن نزعتها اليقينية في حمايتي
■ ■ ■
ربما أنا ميت منذ آخر محاولة صيد
العمى يجعلني أبدو كمهرج، وهو يرقص في بحيرة أفكاره
■ ■ ■
أسقط كسمكة جائعة فى فخ الإيمان بعقيدة الأرض
حيث يصبح الماء جنة مفقودة
■ ■ ■
الهواء اللزج لا يقيس فقط سيولة الوقت
بل يقيس مدى اهتراء جثتي
■ ■ ■
أنا المحنط هنا داخلي مثل بندول يبحث عن جدوى التأرجح، داخل معادلة صفرية..
■ ■ ■
تمساح يحب الليل لأنه أقرب للغة المرأة، تحك بجسدها جسدي.. فأصير غريزة للقتل العشوائي وأنا أفتك بعظامها اللينة..
أقع داخل تناقضاتي مجدداً
■ ■ ■
أنا تمساح بلا فك ولا أسنان ولا عقيدة للقتل من أجل الحياة
ولذلك أعيش فقط كحيوان ينتظر صدفة أن تتشوه المرايا للحد الذي يبصر نفسه إنساناً
ليكون أكثر اتساقاً مع ذاته
بلا شعور مرضي بالخيانة
وأنه يصبح أكثر هشاشة أمام الحزن
كلما قضم قطعة من لحم ذاكرته
ولم يتذكر طعم غريزته!

أطفال
أطفال يمسكون بالناي في مقدمة الحروب
ويطلقون الرصاص فارغاً من العويل،
■ ■ ■
أطفال يحطمون أسوار المدارس
ويبعثرون بالطباشير الملون في ثورة من اللعب الحر
■ ■ ■
أطفال يشبهون العشب
وهو يشيخ على عتبات المدن المحطمة
■ ■ ■
يمشون كطوابير من النمل
فى اتجاه ثورة من القمح
■ ■ ■
أطفال لم يعرفوا بعد أسماءهم
وينادون بعضهم بالألوان التى يحبونها
■ ■ ■
لا يرجعون في المساء إلى بيوتهم
لأنهم يحرسون ملامح المدن من شيخوخة الخوف.