ليليانطلب مني الطبيب إجراء فحص إشعاعي لرأس ابنتي ليليان التي تبلغ عاماً واحداً بعدما أخبرته بأنها لا تبدو عليها الحركة أو الكلام. عرض عليّ الأشعة ثم قال لي إنها تعاني ضموراً في المخ نتيجة نقص الأكسجين عند الولادة. لقد كانت فاقدة للقدرة الحركية والنمو. لن تستطيع الحركة أو السير طيلة حياتها أبداً وهذا أمر مؤكد.
معاقة يا دكتور؟ معاقة؟ ثم أخذت أبكي كالأطفال.
رميتها في الهواء طيلة طريق العودة إلى البيت سيراً على الأقدام وكانت تعود إلى ذراعي في كل مرةٍ ثم أرميها ثانية فتعود وهكذا، ولم أرها تسقط على الأرض أبداً.
كانت ليليان ترقد بيننا أنا وزوجتي على السرير طيلة سنوات عديدة ولم تكن تصدر أدنى ضجة ممكنة، كان صمتها رهيباً. في ليالي الملل، أستيقظ فأحملها وأرميها على زوجتي كأنها دمية صغيرة وزوجتي بدورها تحملها وترميها عليّ. إنها حقاً دمية، قلت ذلك في نفسي وأنا أرميها تحت السرير.
وجدتُ دبوس زوجتي ذات يوم على المنضدة. أمسكتهُ ووخزتُ أصبع ليليان فلم تظهر أي حركة أو تغير في الملامح. وخزتُ المعصم، الساعد، الذراع الأيسر كله ثم الصدر واقتربت من القلب. ماذا تفعل أيها الملعون؟ صرخت زوجتي وسحبت الدبوس. أمسكته، مسحتْ عنه قطرات الدم وربطت به حجابها.
في اليوم التالي، حملتُ ليليان بذراعي الأيسر فقط. وبيدي اليمنى سكين أتيت به من المطبخ، نظرتُ إليها. عينا ليليان سوداء كالفحم، تنظران إلي بدون أي تأثر. واستعدت صور أذرع وسيقان ورؤوس الدمى المرمية في الشوارع. كلا، لا يمكنني فعل هذا! أفكر بهذا الفعل فقط لأنني قمت بهِ كثيراً في صغري.
الطول نفسه (40 سنتمترا)، والوزن نفسه (9 كيلوغرامات)، ملامح ليليان ذاتُها في عمر العاشرة.
في الصيف كنا نائمين على السطح. عند الفجر، وجدناها شاحبة الوجه وأغلقتُ عينيها بنفسي.

سمنة
احضروا رجلاً يتنفس بصعوبة. حجم ساقيه كبير جداً ومشابهٌ لحجم يديه وكان مريضاً بالسمنة ولم يكن يكفي السرير لحجم جسده. وضعوه على الأرض ومات.

أطفال
ترقدُ بصمت إلى جانب زوجها. يتناهى إلى سمعها صوت الرياح تعابثُ أشجار البستان خلف البيت.
تستشعرُ ألماً قوياً في صدرها. تتنهد وتقول لنفسها: هذا المرض اللعين ينتشرُ الآن بسرعة في جسدي كما أخبرني الأطباء. لم يتبقَ لي وقت، أشهرٌ وربما أسابيع هذا ما فهمته من كلامهم. لمست يد زوجها بخفةٍ وفكرّت: هل عليّ أن أخبره بحالتي؟ لا، إنهُ لا يتحمل تكاليف العلاج، كما أنهُ سيلحُّ عليّ بزيارة المراقد المقدسة كثيراً وسيكون عليّ أن أحضر الطلاسم والرايات وأعلقها في أنحاء البيت، الأمر الذي لا أريد أن أفعله بعد الآن. كل هذا لن يفيد بشيء فقد جربت الأمر سابقاً. لو أن هذه الأدعية أفادتني، لو أن الله سمع دعائي لكنتُ رُزقت بأطفالٍ أحياء، لا موتى.
نعم، بكت بصمت ثم تذكرتْ كيف كان زوجها يستلم أطفالها الأربعة من الأطباء، استلم كل طفلٍ داخل صندوق من الكارتون كأنهُ هدية. اللعنة، دفنهم في البستان خلف البيت. كان يضع حجراً على كل قبر لكي لا يضيع القبر!
ليتني كنتُ عاقراً منذ البداية لأخلي مكاني لامرأة أخرى.
دلكّت صدرها وأرهفت السمع لصوت الريح النائحة كأنهُ صوت جريان نهر من بعيد. ما الذي وهبني الله لأهبه لهذا الرجل؟ أربعة أحجار في بستان، هذا كل ما حصل عليه مني.

بالونة تسري في داخلها المناجل
اسمي آيات عدي، أبلغ من العمر أربعة عشر عاماً. ماما تجلس بجانبي في المشفى منذ ثلاثة أيام.
أخبروا ماما منذ ثلاث سنوات أنني مصابة بفقر الدم المنجلي أي أن كريات الدم تشبه شكل المنجل وغير قادرة على نقل الأوكسيجين في جسدي..
صاروا كل شهر يمررون في جسدي كيس دم جديد. فكرت دائماً أنني سأصبح بالونة مملوءة بالدم. ماما تقول إنني دائماً مصفرة اللون (لون الكركم).
منذ ثلاثة أيام وأنا في المشفى وماما تجلس إلى جانبي، تنزع عني الحجاب وتكشف شعري وتمسح عني عرقي الغزير.
ماما تقول إنني سأصبح فتاة جميلة ونادرة، لكنني أفكر دائماً أنني لست سوى بالونة صفراء لا يمكنها الطيران.
بالونة تسري في داخلها المناجل.

تقرير إلى الطب العدلي
3:00 a.m: تم إحضار الطفل (ابن زينب) البالغ من العمر 29 يوماً، ولا يظهر عليه أي نشاط حيوي سوى نبض ضعيف. اصفرار واضح للبشرة. ازرقاق الشفتين. بياض في العين. الطول: 30 سم. الوزن: 3 كغم
3:10 a.m: تم إجراء عملية إنعاش الرئتين بالضغط المستمر على الصدر
3:30 a.m: تمت مقاطعة عملية الإنعاش من قبل الأم لأنها قامت بسحب قدميّ الطفل وحمله إلى الأعلى وظلت تضرب الأب به وهي تتهمه بأنه كان السبب في موت ابنها.
3:35a.m: مزاولة عملية الإنعاش
3:40a.m: تمت مقاطعة عملية الإنعاش للمرة الثانية لأن الأب سحب قدميَ الطفل وحمله الى الأعلى وظل يضرب الأم به وهو يتهمها بأنها كانت السبب في موته.
3:45a.m: مزاولة عملية الإنعاش
4:00a.m: لا يوجد نشاط للقلب، لا يظهر عليه أي نفس، لا يوجد نشاط للمخ أو للعين.

* العراق