القاهرة | محمد شعير | في سنوات شبابه المبكر، انضم الكاتب المصري يوسف إدريس (1927-1991) إلى تنظيم «الحركة المصرية للتحرر الوطني» اليساري. كان ناشطاً وفاعلاً في التنظيم، وفي عام 1953 سافر إلى فيينا للمشاركة في مؤتمر «حركة أنصار السلام العالمية» حيث يتعرف إلى فتاة مكسيكية تشاركه أفكاره التحررية. يسافران بعد انتهاء المؤتمر إلى المجر، وألمانيا، وتشيكوسلوفاكيا، ثم يتزوجها ويعود بها إلى القاهرة لتقيم معه في شقته البسيطة في «المبتديان» بالقرب من قصر العيني وسط القاهرة.

كانت الفتاة ابنة الفنان المكسيكي الرائد دييغو ريفيرا. عندما عاد إدريس من رحلته، وجد نفسه مفصولاً من عمله كطبيب، هارباً من المطاردات البوليسية. لم تستطع الفتاة المكسيكية تحمل هذه الحياة، فاقترحت عليه أن يسافر معها، لكنه رفض فاتفقا على الانفصال بهدوء. في «الزوجة المكسيكية» (دار الشروق ـ 2018)، يتخذ إيمان يحيى هذه الحكاية التي رواها إدريس نفسه للمستعربة الروسية فاليريا كربتشينكو في كتابها «يوسف إدريس» (لم يصدر بعد بالعربية)، إطاراً يحكي عبره عن السنوات الأولى في خمسينيات مصر، تحديداً عامي 1953-1954 حيث الصراع بين الديمقراطية والديكتاتورية، والاختيار بين حرية الصحافة ومصادرة الرأي، وحيرة المثقفين بين التأييد والمعارضة، والأثمان التي يدفعها الشخص الذي يعبر عن رأيه. بالتأكيد ليست رواية عن الماضي بقدر ما هي رواية عن الحاضر، عن أشواق الناس إلى الثورة وترددهم إزاءها. بعد الانفصال، يعتقل يحيى/ يوسف ويخرج للعمل صحافياً، مقرراً ألا يعود مرة أخرى إلى السجن، ويكتب تجربته اليسارية وقصة حبه لفتاة أجنبية في رواية «البيضاء» (1959). بدت الرواية وقت صدورها بمثابة خيانة من إدريس لرفاق النضال القدامى، إذ اعتُبرت بمثابة اعتذار من كاتبها عن ماضيه اليساري، ونقد جارح للدوغما الماركسية، في وقت كان أبرز رموز اليسار في سجون النظام. يعود إيمان يحيى إلى «البيضاء»، مستلهماً أسماء الأبطال ليصبح يوسف إدريس هو يحيى، مازجاً الواقع والخيال. وإن كان الخيال مقيداً بأحداث وشخصيات حقيقية وردت أسماؤها داخل العمل، فكأننا إزاء عمل توثيقي أشبه بصحافة «الاستقصاء». بعد سنوات طويلة، تحديداً عام 1970 يتلقى يوسف إدريس اتصالاً هاتفياً من سفارة المكسيك في القاهرة. يذهب ويقابل موظفاً سلّمه مظروفاً من زوجته السابقة التي رحلت عام 1969. يضم المظروف «مفتاح الشقة» الذهبي الذي صنعه خصيصاً لها. في «الزوجة المكسيكية»، يتنقل المؤلف بين الأزمنة، كأننا إزاء فيلم سينمائي، من مصر 1953 إلى 2005 حيث تتأسس حركة «كفاية» التي تغلي بالثورة، وتنتظر انفجاراً لم يتأخر كثيراً.