لينين، تروتسكي، روزا لوكسمبورغ، غرامشي، وآخرون، ينهضون من قبورهم في مئوية الثورة الروسية. ملف أرادته مجلة «بدايات» البيروتية، في عددها المزدوج (18- 19) أن يكون وثيقة عن الثورة ذاتها، وما ليس معروفاً عن مجريات العقد الأول من الثورة (1917- 1927). مقاربات نظريّة، ومذكّرات، وشهادات تضيء بريق ذلك الزمن الذي انطوى على أحلام وإخفاقات وهزائم، كما يحدث لثورات كثيرة في العالم، لكن «ثورة أكتوبر» التي زلزلت الأرض تحت أقدام القياصرة كأوّل ريحٍ اشتراكية تهبّ على الكوكب، انطوت على غليان فكري وسجالات ساخنة وارتدادات أيديولوجية، إذ «زخر العقد الأول من الثورة بالتجريب والإبداع والجموح إلى التغيير، قبل أن تطبق عليها البيروقراطية وحكم الحزب الواحد».

في ظل الانهيارات الأيديولوجية واستيقاظ النزعات المذهبية، وتفكّك الدول، تبدو نقاشات هؤلاء الشيوعيين، واستعادتها اليوم، مثل مَن يغرّد خارج السرب. ما بين «الأحد الدامي» (22 كانون الثاني/ يناير 1905)، اليوم الذي أطلقت فيه قوات من الشرطة والجيش النار على تظاهرة سلميّة خارج قصر الشتاء في بطرسبورغ، و«ثورة أكتوبر» (1917)، وصولاً إلى وفاة لينين (1924)، حدثت وقائع وتحوّلات واحتدامات كثيرة، سيشبهها لينين بحال رجل يرقى جبلاً مرتفعاً نحو القمة، لكنه مضطر إلى العودة أدراجه للنزول، والبحث عن مسلكٍ آخر، بقصد ترميم ثُغَر الرحلة. من جهته، يروي ليون تروتسكي في كتابه «حياتي» وقائع «أوّل أيام السلطة» والمخاطر التي تنتظر الثورة عند أول منعطف لها في موقع السلطة. يقول موضحاً موقفه من حزبي الاشتراكيين الثوريين والمنشفيك «لقد فازت انتفاضتنا. والآن تطالبوننا بأن نتخلى عن انتصارنا، وأن نعقد الاتفاقات، ومع من؟ أنتم أفراد مفككون بائسون، أنتم مفلسون، لقد أنتهى دوركم. اذهبوا إلى حيث يجدر بكم أن تكونوا فيه من الآن فصاعداً، إلى مزبلة التاريخ». من جهته، اعتبر أنطونيو غرامشي أن كتاب «رأس المال» لماركس، كتاب البورجوازية أكثر منه كتاب البروليتاريا، وأن البلاشفة رفضوا ماركس جزئياً، فالعامل الحاسم في التاريخ ليس هو «الوقائع الاقتصادية الخام، إنما هو الإنسان، هم البشر داخل مجتمعاتهم، البشر في العلاقات المتبادلة بينهم». في «المغزى الجوهري للثورة الروسية» تنبّه روزا لوكسمبرغ إلى الفخاخ المزروعة في الدرب الشائك لحكيمَي الثورة لينين وتروتسكي، وهما يقاسيان أقصى درجات التردّد الداخلي، وأعتى درجات المعارضة العنيفة في الداخل، وفي المقابل تشير إلى قوة المدّ الثوري الذي اكتسح كل التيارات مشكّلاً كتيبة ضد الطغيان «وقد سقط الطغيان بعد أول هجوم وبلا مقاومة تقريباً، مثل عضو ميت في الجسم كان ينتظر مجرد لمسة كي يسقط. وكذلك انهارت خلال ساعات معدودات المحاولة القصيرة للبورجوازية الليبرالية كي تحافظ على العرش والسلالة الحاكمة على الأقل». لا يتوقّف تفاؤل المفكّرة الماركسية عند هذا الحد، فهي ترى أن البلاشفة حزب ثوري أصيل ينتمي إلى المستقبل المتمثّل بالاشتراكية الأممية «وما يُفترض بنا فعله هو تمييز الجوهريّ من غير الجوهري، اللبّ من التشوّهات الطارئة في سياسة البلاشفة». ويستعرض جيلبير الأشقر الكتب التي صدرت في الذكرى المئوية للثورة مستبعداً الكتب التبسيطية وتلك التي تنتسب للتاريخ الأسطوري للثورة، وسوف يختار كتاباً مختلفاً عن السائد، وفقاً لقوله، وهو «روسيا في ثورة: إمبراطورية في أزمة ــ 1890- 1928» لمؤلفه إس. أي. سميث، وهو يساري منشق عن التروتسكية، ويتمحور بحثه حول العقد الأول للثورة الروسية، مقرّاً بوجود فارق نوعي بين ذلك العقد والمرحلة الستالينية التي تلته، فيتناول «جذور الثورة»، والإصلاحات التي تلتها، ويتساءل «هل كانت الثورة انقلاباً؟»، مروراً بالحرب الأهلية، وبناء الجيش الأحمر، وهل اللينينية والستالينية كانتا حالة تواصل أم انقطاع، في جرد حساب تاريخي دسم أتى بمثابة «لوحة أخاذة لتحولات روسيا منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى انفراد ستالين بالسلطة». وتستعرض ريما ماجد كتاب «أكتوبر» للروائي البريطاني تشاينا مايفيل، الذي يهدف، حسب مؤلفه، إلى تعريف القارئ إلى إحدى أعظم ثورات العالم، خطوةً خطوة، عبر تفاصيل تاريخية مشوّقة ولافتة، محاولاً أن يبعث الأمل في إمكانية تغيّر الظروف الماديّة، وانقلاب التاريخ. يقول «كانت تلك بالتأكيد ثورة روسيا، لكنها كانت أيضاً، ولا تزال، ملكاً للآخرين. وكان يمكن أن تكون ثورتنا. وإذا خلّفت أقوالاً غير مكتملة، يتعين علينا نحن إكمالها». يعتني الملف في جانبٍ منه بالمرأة وتطلعاتها والقوانين التي أُنجزت من أجلها في «العمل والحرية والحب»، بالإضافة إلى إطلالة وافية على النسويات الشيوعيات مثل ألكسندرا كولونتاي رائدة تحرير المرأة، وإينيسّا آرمان «البلشفية، النسوية، العاشقة»، وإيزادورا دانكن «أرقص من أجل الحياة الجديدة». ويتناول عماد الدين رائف «تحرّر المرأة في الملصق والحياة»، كما يرصد جون بيرجر حياة أبرز شعراء الثورة «مايكوفسكي» في لغته، وثورته، وموته. ويشتمل الملف على عدد كبير من الملصقات النادرة التي تؤرخ لمراحل الثورة.