العزيز محمد الصغير أولاد احمد،
انتظرناك اليوم في حانة المدينة ولكنّكَ، على غير العادة، تأخرتَ، انتظرنا ولم تأت... تساءل رفاقك وبدا لهم أنك غيرت المكان دون أن تُعلم.. ردَّدُوا صوتكَ عالياً و لم تُجِبْ...علموا أنَّ لكَ موعِداً مع الإله الذي ناجيته يوماً كي يُعِينَكَ عليهم ...تَردَّدَ.. تَأخَّرَ.. ثم أعَانَهُم عَليْك وعليْنَا... وأخذك مِنّا يا رجلاً لم يخش يوماً حرَّ الهجيرة ولم يتحدث لغة القبيلة ولا العشيرة... ويبدُو أنّكَ ستلاقيه الليلة فاحذر أن يَسْقيكَ خمراً رديئاً وطُوبَى له لأنّك سُتُلْقِي الشّعرَ في حضْرَتِهِ، سُتغَازِلُ حَبِيبَتَهُ وتُنْشدَ لَها،

عينَاكِ إسْراءُ الأنْبياءْ
نَشوَةُ الصَّحابَةْ
وارتحالُ المُنْشِدينْ
ترنِيمَةُ الإلهْ الولهِ العطشْانْ
شِفاهْ سُلَافٍ الوجدْ
خلِيليَّ وخِلِّي
حسْبِي بكَ رُوحِي
عِنَاقًا بدارِ فناءْ
ومُدامًا بدارِ شقَاءْ
جَفْنَاكِ قِبْلَتِي
نَهْداكَ مُصَلًّايْ
جَسَدُكَ نَعْشِي
وعِظامُكَ عِمادُ عَرْشِي
العزيز محمد الصغير أولاد احمد،
كنا يوم الأربعاء في بهو مقبرة الجلاز بالآلاف...رأيْنَاكَ مبتسماً. .واثقا بشعبٍ نصحته بأن يؤْمِنَ بثورته... كنَّا النساء اللواتي أحببتْ ورجالاً يَرَونَ فيك عشيقَ الأرض الأبديِّ... كنت مَسْجِيّاً بالورود.. جَسَدُكَ ملفوفٌ في عَلمين... تونس التي أحببتها صباحاً.. مساءً واتحادَ شغل كنتَ في مسيراته صيفاً شتاء... كانتِ النّسوة على قبرك يزغردن... يُعاهِدْنَكَ... يهتفن. سنُحِبُّ البلاد كما أحببتَ.. سنقرأ الشعر كما اشتهيت... سنُؤسِّس مدننا من قوارير خضراء كما فعلت. سنتسكع ليلاً نهاراً... سنَتُوه بين أزقَّة المدينة... سنمشي حفاة عراة في البرور. سنزرع قمحاً ولن ننتظر صلاة الاستسقاء لَيَنبُتْ. سنزرع قمحاً ونسقيه أَملاً لا دموعاً. سنُحِبُّ بوزيد والقصرين وقفصة وباجة وبن قردان والوردانين والمهدية وتوزر وعندما نَكَلُّ ونَتْعبْ... نَفتَحُ كتاباً أنتَ فيهْ... أشقياءُ نظلُّ وعلى عهد كلماتك نبقى و لا نملُّ.
 
العزيز محمد الصغير أولاد احمد،
سألتني ابنتي مساء عن معنى الوطن. فقلت. الوطن يا حبيبتي هو ما عشقناه. هو ما قرأناه في شعر الشابي ومختار اللغماني ومنور صمادح والطاهر الهمامي ومحجوب العياري.. هو ما تعلمته في وصايا أمي التي تسكب الماء خلفي عندما أغادر قريتي آملة أن أعود لها سالماً... اليوم سكبنا الماء خلفك عندما واَريْناكَ وطنَكَ "الصغير" عسَى أنْ تمتلئ بطن الأرض بالآلاف منك شابات وشباباً وشيباً تؤسس لوطن أكبر من تين وزيتون وحب وبرتقال ووديان وصحراء وبحر وجبال وحروف شعر من رمال:
يغتالُ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍءُ ﺍﻟﻤﻮﺕْ
ﻭيدفع ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ
تنحني ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇجلاﻻً ﻟﻨﺎ
ﺇﻟﻬُﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء
ﻭﺇﻟﻬﻜﻢ ﻣﻦ ﻓﻨﺎء
ﻧﺤﻴﺎ
ﻧﺤﻴﺎ
ﻓﻲ ﻭﻃﻦ ﻣﻦ ﺷﻘﺎء

* ناشط تونسي