الكتابة لدى بوهوميل هرابال (1914 ــ 1997) بدأت من مشاغل فردية جداً. في نهاية الأمر لم يكن يهتم بأن تُقرأ كتبه إلا من قبل بعض أصدقائه والمقربين منه، بالرغم من أن رواياته صارت معلماً من معالم مدينة براغ، بقدرتها البصرية العالية على سرد الحيوات العادية لشخوص مثل هانتا بطل رواية «عزلة صاخبة جداً».
الرجل الكهل الذي تبدو عليه سمات البله يعمل في قبو مليء بالفئران على إتلاف الورق في براغ، لكنه يعرف عن وعي أو لا وعي قيمة بعض الكتب ويحتفظ بها ويحيي شخصياتها في رأسه. الرواية التي تتحدّى رقابة الدولة على الكتب والمعرفة، واجهت الرقابة هي نفسها ولم تنشر إلا بعد حوالى 13 عاماً من كتابتها، قبل أن تصدر نسختها المعرّبة عن «منشورات المتوسط» قبل أشهر (ترجمة: منير عليمي). عربياً، كنا قد تعرّفنا على الروائي التشيكي، عام 1990 مع الترجمة اللافتة للشاعر اللبناني الراحل بسام حجّار لروايته «قطارات تحت الحراسة المشددة» (دار الفارابي). الرواية التي كان ميلان كونديرا قد وصفها سابقاً بأنها «واحدة من أكثر التجسيدات أصالة لمدينة براغ»، تجمع الفكاهة الواقعية والخيال الباروكي، وتتبع حياة الصبي الخجول ميلوش هرما الذي بدأ يتمرن للعمل في إحدى محطات القطارات. وفيما كانت النسخة الورقية لترجمة حجّار قد نفدت منذ زمن، صارت متوافرة مجدداً بفضل تعاون بين «دار الفارابي» و«منشورات المتوسط» اللتين أعادتا إصدارها أخيراً. ما يستحضر إسهامات بسام حجّار المميزة في مجال الترجمة، الذي نقل إلى المكتبة العربيّة حوالى 60 مؤلفاً فلسفياً وفكرياً وإبداعياً مثل «سرب طيور بيضاء» لياسوناري كاواباتا، و«مطبخ ــ خيالات ضوء القمر» لبنانا بوشيموتو، و«شقراوات» لجان أشينوز، و«إنشاد المنادى» لمارتن هايدغر، و«تلك العتمة الباهرة» للطاهر بن جلون وغيرها من الكتب التي ترك في ترجمتها بصمة خاصة وشديدة الحساسية لا تبتعد عن عوالمه الشعرية الخافتة.