ليس من الأمور السارة الكتابة عما ارتكبته الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة من أخطاء وخطايا تصل إلى درجة فضائح، هذا بتعبير ملطف للغاية. لكن غياب أي نقد لتجارب الحركة الوطنية الفلسطينية وقياداتها منذ انطلاقها في أوائل ستينيات القرن الماضي، في فلسطين المحتلة عام 1948 وفي شرقي فلسطين المسمى الضفة الغربية وفي الأردن ولبنان من بعد، وأخيراً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وصمت وسائل الإعلام/ التضليل، المقاوم منها والمنبطح، عن ذلك وعما ترتكبه جماعة رام الله بحق القضية الوطنية وبحق شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كلها عوامل أجبرتنا على اختيار كتاب آخر رؤساء فلسطين من جيل النكبة: صعود محمود عباس وعهده» (بروميثوس بوكس ـ 2017) عن محمود عباس للعرض في هذا المنبر. عبره، نلقي الضوء على مسيرة سياسة رضوخ القيادة السياسية الفلسطينية لإملاءات العدو وآثارها في مسيرة كفاح شعبنا. المؤلفان غرانت رملي وأمير طيبُن صحافيان من كيان العدو، أحدهما ينتمي إلى أقصى اليمن. كتبا المؤلف من دون تمكنهما من كسب دعم محمود عباس له لأن بطانته أصرت على أن تقرأ كافة فصوله لتقرير ما إذا كان سيوافق على اللقاء أو يرفضه، أي التأكد من أنه سيكون مؤلف غزل ومديح، أسوة ببقية الزعامات العربية المتخلفة.

وقد يختلف بعضهم مع صحة اختيار مؤلف بأقلام إسرائيلية صهيونية للحديث في الموضوع، إلا أننا لا نظن أن محمود عباس لا يوافق على ذلك من ناحية المبدأ لأنه سعى من بداية نشاطه السياسي للتصالح مع العدو، الذي أطلق عليه اسم «رجلنا في رام الله»، على حساب حقوقنا في وطننا، دوماً وفق الكاتب.
المؤلف لا يعرج سوى بأسطر سريعة على حياة محمود عباس قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، ما يجرده من كونه مرجعية للمرحلة الأهم في تاريخ «فتح» عندما كانت تعرف باسم «العمل الفدائي»، وقبل أن تحولها قياداتها إلى ميليشيا لا تختلف كثيراً عن أي من الأنظمة العربية المتخلفة التي قدمت لها الدعم وفي مقدمتها محميات الخليج الفارسي المسلحة بأموال النفط الفاسد والمفسد. معارف الفلسطينيين والعرب العلنية عن محمود عباس قبل انحراف حركة «فتح» ولهاثها وراء اعتراف العدو بها بعدما كانت ترفض الاعتراف به، قليلة، لكنه كان معروفاً في الحركة وللكوادر التي كان عملها مرتبطاً بنشاطها السياسي الذي كان يتم بإشراف مفوض من اللجنة المركزية هو فاروق القدومي. وقد قدمنا بعض معارفنا عن محمود عباس وموقعه في حركة «فتح»، قبل قيامتها في مقالات سابقة وليس ثمة من حاجة إلى تكرارها (انظر مثلاً «الأخبار 19 /10/ 2010).

رضوخ القيادة السياسية الفلسطينية لإملاءات العدو
أي أن هذا المؤلف لا يحوي أي جديد إطلاقاً لكل كادر فتحاوي، سابقاً كان أو ملتزماً. لكنه يحوي معلومات مفيدة عنه في مرحلة تسلمه رئاسة «السلطة الوطنية» عام 2005 التي انتهت رسمياً في عام 2009. بعدما أتممنا قراءة المؤلف، تبين لنا أنه ليس سيرة لمحمود عباس، مع أن محفوظات كيان العدو عنه وعن بقية الزعامات الفلسطينية تحوي الكثير الكثير. لكن يبدو أنها لم تحو أي إيجابيات من منظور الشعب الفلسطيني، لذا تقرر السكوت. إنها بالأحرى سيرة محمود عباس المفاوض والسياسي والشخصي منذ عام 2005، وليس أكثر من ذلك.
من المعلومات التي يحويها المؤلف عن محمود عباس وسلطته ونرى ضرورة أن يكون القارئ العربية المهتم ملماً بها، الآتي:
- في آخر استمزاج رأي، قال نحو 75% إن سلطة رام الله فاسدة، وأنهم غير راضين عنها ويطالبون برحيل محمود عباس، لكنه يرفض التخلي عن الكرسي. الكاتبان قالا «إن محمود عباس يتمتع بشعبية في تل أبيب وواشنطن وليس في رام الله أو غزة أو القدس».
- هاجس محمود عباس الأول هو الاحتفاظ بالعرش القصبي خصوصاً بعد الهزيمة الساحقة التي منيت بها «فتح» في انتخابات عام 2006.
- محمود عباس رفع مطلب حكم المؤسسات عندما عيّنه رئيسه رئيساً للوزراء بناء على توجيه إسرائيلي-أميركي، لكنه تحول بعد توليه السلطة وخسارة الانتخابات إلى استبدادي يقيل منافسيه ويضطهد مخالفيه ويعين حلفاءه في «فتح» في المواقع الرسمية المفتاحية. فقد قام بملاحقة النقابيين واعتقل الصحافيين، إضافة إلى إسدائه أوامر لمخابراته وقوات الأمن بملاحقة المواطنين العاديين الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي. كما أرسل قوات أمنه التي تدربت على يد الـ «سي. آي. إيه» والاستخبارات الأردنية لقمع تظاهرات العمال والمعلمين والمواطنين العاديين في نابلس ورام الله وطولكرم ومخيم الأمعري ومخيم بلاطة في نابلس، عام 2016 واعتقال القادة النقابيين والمعارضين. في عام 2014، اعتقلت مخابراته 365 نقابياً في الضفة خلال يومين. كما قامت مخابراته بقتل عدد من الشخصيات المعارضة له خلال التظاهرات منهم المغدوران أحمد عز حلاوة الذي قضى تحت التعذيب وضياء عرايشة. كما هتف سكان مخيم بلاطة «مخيم بلاطة يريد إسقاط الرئيس».
- عرف عنه تمسكه المطلق بالمفاوضات طريقاً وحيداً لتحقيق برنامج السلطة السياسي، لكنه تخلى عن ذلك عندما تسلم القيادة. يذكر الكاتبان عدم تقديمه رداً على العرض الذي طرح عليه في كامب ديفيد، وكذلك عدم الرد على مقترحات وزير خارجية واشنطن جون كري.
- محمود عباس لا يتميز بأي كاريزما. لذلك، فإنّه لم يتمكن من إقناع الشعب الفلسطيني بصحة خياراته السياسية.
- بدلاً من توسيع نطاق سلطته، خسر أكثر من نصفها لـ «حماس» في عام 2007. وقد عرف عنه عداؤه الشديد لها وملاحقته الوحشية لكل من له علاقة بها.
- صحيح أن محمود عباس قدم رسالة دكتوراه في «جامعة لومومبا» عن التعاون الصهيوني-النازي، وأنه شكك فيها بصحة رقم الستة ملايين من الضحايا الأشكناز، إلا أنه اعتذر عن ذلك علانية، وبلع كل ما قاله وما يقال إنه كتبه. المؤلف لا يشي إن قامت «جامعة لومومبا» بسحب اللقب منه بعد تراجعه «الأكاديمي».
- لا يتمتع بأي دهاء مطلوب في السياسيين، بل إنه يفاجئ الجميع بضحالة معارفه السياسية، إذ إنه سأل السوفييت عام 1982 ما إذا كانوا سيدعمون خطة قيادة منظمة التحرير لابتياع جزيرة يونانية مهجورة وإعلان قيام دولة فلسطينية مؤقتة فيها. السؤال أثار عجب السوفييت الذين ذكّروه بأن اليونان عضو في حلف الناتو.
- محمود عباس ليس رجل الشارع، وعلاقته بالشارع الفلسطيني ضئيلة بل غائبة.
- بعد تأسيس السلطة في رام الله، تمكن أبناء محمود عباس الثلاثة من الإفادة مالياً وأسسوا إمبراطوريات مليونية. ابناه ياسر وطارق تخصصا في تكديس الأموال عبر نشاطات اقتصادية في «الضفة» وغزة في مجالات التبغ والاتصالات والعقود.
- عند نشر صورته إلى جانب مجرم الحرب شارون في العقبة، عقب الراحل ياسر عرفات على ذلك بالقول: «إنه غر ومبتدئ، إنه خائن للشعب الفلسطيني». وفي مناسبة أخرى قال عنه إنه «كرزاي فلسطين». مجرم الحرب شارون معجب بمحمود عباس، لكنه وصفه بأنه «صوص منتوف الريش».
- مع أنه كان يعترض على السلطات التي جمعها ياسر عرفات في شخصه، إلا أنه جمع أكثر منها على الصعيد الشخصي. ينقل المؤلف عن معارفه قوله إنه حقود لا ينسى، وكل ما يريده البقاء رئيساً مدى الحياة وجمع الأموال وتهميش معارضيه.
- لا يزال يعيش في ظل ياسر عرفات وغير قادر على كسب الشارع الفلسطيني.
- لم يحقق أي شيء للشعب الفلسطيني.
أخيراً، نعدّ هذا المؤلف على أنه عرض وجهة نظر إسرائيلية صهيونية في محمود عباس، الرئيس والمفاوض والشخص.