يبدأ جميل أيدن ــ أستاذ التاريخ في «جامعة نورث كارولاينا» ــ كتابه الجديد «فكرة العالم الإسلامي - تاريخ كوني عقلاني» (جامعة هارفرد ـــ برس 2017 ـــ The idea of the muslim world: a global intellectual history) بتذكير القراء بخطاب الرئيس الأميركي باراك أُوباما في القاهرة عام 2009 الموجه لمسلمي العالم. يومها، تحدث أوباما عن عالم إسلامي، منطلقاً من فرضية أنّ المسلمين يشكلون جماعة واحدة عابرة للثقافات والإثنية والانتماءات والطبقات وغير ذلك.
أُوباما لم يكن مجدداً في هذا لأنه سار على خطى مجموعة كبيرة من السياسيين في الغرب تحدثوا أيضاً عن العالم الإسلامي والأمة الإسلامية، منطلقين من فرضية أن مسلمي العالم يشكلون هوية دينية - سياسية. لكن الكاتب لا يتفق مع الرأي السائد ويبحث في تاريخية صعود هذا التعريف وأسبابه. ومن المسائل التي يطرحها:
- متى بدأ القادة السياسيون والمثقفون والعامة أيضاً الحديث عن العالم الإسلامي؟
- كيف شمل هذا التعريف حضارة وتقاليد دينية ووحدات سياسية؟
- الأشخاص الذين يتحدثون عن أن وجود عالم إسلامي هو أمر بديهي، ما سبب ترددهم في الحديث عن عالم مسيحي أو عالم إفريقي أو عالم بوذي؟

- ما سبب تجذر فكرة العالم الإسلامي إلى هذه الدرجة رغم سذاجة فكرة أن ألفاً وخمسمئة مليون من البشر، ينتمون إلى مذاهب وحضارات وثقافات وتواريخ متباينة ومختلفة، يمكن تصنيفهم على أنهم وحدة متخيلة؟
- ما الذي أوصلنا إلى النقطة التي يمكن فيها لهوية متخيلة أن تكون متجذرة إلى هذه الدرجة في حواضرنا؟
- ما دوافع قيام سياسيين مسلمين وغير مسلمين، ومثقفين وشخصيات دينية من الطرفين يقيمون مناقشاتهم وقراراتهم على فكرة العالم الإسلامي من دون التفكير في هذا المصطلح بعمق في معناه ومدى دقته، ومن دون تأمل مغزى هذا التعميم؟
يوضح الكاتب أنّ هدف مؤلفه الرئيس هو توضيح جذور هذا المصطلح وفهم جاذبية الروايات المرتبطة به والتي يعيش العالم الإسلامي في ظلها جنباً إلى جنب الغرب المسيحي.

يلقي المؤلف
اللوم على الاستعمار العنصري الذي صنف الإسلام ضمن أطر ثابتة


في مقلب آخر، يوضح الكاتب أنّ مقولة أو مصطلح العالم الإسلامي، الذي يبين أنه ولد في القرن الثامن عشر، يعني أن المسلمين ــــ وانطلاقاً من كونهم متدينين ومن طبيعة دينهم ـــ معارضون طبيعيون للنظام الليبرالي العالمي، وللدولة الوطنية. هذا يقود إلى الاستنتاج بأن موقف المسلمين من القضايا السياسية مختلف عن مثيله لدى البوذييين والهندوسي والمسيحيين وغيرهم ولا يتم الحديث عنهم بعلاقاتهم بأديانهم. هذا يعني بالضرورة وجود استثناء إسلامي، وهو أمر غير صحيح. يقول الكاتب إنّ الإثبات أنّ الدولة العثمانية والجمهورية التركية ومسلمي الهند وأفغانستان والمملكة السعودية والباكستان ومصر الملكية وإيران الشاهنشاهية، دعموا النظام الإمبريالي الاستعماري والنظام القومي في ما بعد. ولا ننسى حقيقة أن جماعات الإسلام السياسي لا تحارب الغرب بل المسلمين!
إن التشديد على أهمية الإسلام في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، في السياسة العالمية لا ينطلق من أسس دينية لاهوتية، وإنما من إرث الاستعمار العنصري الذي صنف الإسلام ضمن أطر ثابتة تنطلق من استراتيجيات ثقافية وسياسية هدفها عنصرة المجتمعات الإسلامية.
بالتالي، فإن فكرة العالم الإسلامي خداع لاتاريخي، تكمن جذورها في صعود الإمبريالية الغربية أواخر القرن التاسع عشر وموقفها العنصري تجاه الإسلام والمسلمين، حيث طرح المثقفون المسلمون فكرة العالم الإسلامي مقابل ذلك، وشددوا على مساهمة الإسلام في الحضارات الإنسانية.
انطلاقاً من هذه الحقائق التاريخية، دوماً بحسب الكاتب، فإنّ المسلمين الذين يتمسكون بفكرة العالم الإسلامي يتفقون مع المعادين للإسلام (الإسلاموفوب) الذي يشددون بدورهم على موقفهم العنصري تجاه الدين وأتباعه، أياً كانوا. ولنتذكر في هذا المقام مقولات مثل «الإسلام والغرب»، و«صراع الحضارات».
يوضح الكاتب أنّ التحول الراديكالي لمسلمي أوروبا وأميركا، منذ العصور الاستعمارية إلى يومنا، يستند إلى فرضية أن وحدة الإسلام الجيوسياسية ترتكز إلى هويته الدينية.
لكن النزعة الراديكالية لدى المجتمعات غير الأوروبية اندلعت أيضاً لدى الآسيويين والأفارقة ومجتمعات كثيرة أخرى، آخذين في الاعتبار أن أواخر القرن التاسع عشر هو عصر الإمبراطوريات وفي الوقت نفسه عصر الحديث عن العنصر (race) والفكر العنصري.
يشرح المؤلف أن الانتماء إلى الإسلام استحال فكرة عنصرية. من الجوانب الأخرى التي يتعرض الكاتب إليها، أسباب عدم خبو الفكر العنصري عن الإسلام رغم انقضاء عصر الاستعمار، بل إنه ازداد قوة في الحرب الباردة.
من الجوانب النظرية التي يعالجها الكاتب في هذا المؤلف الثمين، قيام المفكرين المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي بربط مفهوم العالم الإسلامي بمفهوم الأمة العتيق، بهدف مواجهة الإمبريالية.
يعارض المؤلف في جدله مقولات مثل صراع الحضارات والإسلام ضد الغرب، ويوضح أن الصراع الأبدي بين عالم إسلامي مفترض وعالم مسيحي مفترض ـــ وكلتاهما هويتان متخيلتان ـــ يستند إلى خيال وليس إلى واقع.
ويوضح عدم صحة الادعاء بأن الإسلام، منذ بداياته، كان صراعاً بينه وبين بقية العالم. فالمسلمون عاشوا قروناً في إمبراطوريات مختلفة جنباً إلى جنب مع غير المسلمين. والسلالات الإسلامية مثل العثمانيين والمغول والصفويين، انطلقوا من العلاقة العشيرية لا من مفهوم الانتماء إلى هوية ووحدة سياسية جغرافية مقابل العدو غير المسلم.
كما يوضح الكاتب أنّ التضامن الإسلامي العابر لم يظهر عندما احتل نابليون مصر أو عندما احتل الفرنسيون الجزائر أو إبان الانتفاضة الهندية على الاحتلال البريطاني عام 1857. أما أول مظاهر فكرة العالم الإسلامي، فتظهر في سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته، بالعلاقة مع ربط أطراف المجتمعات الإسلامية عبر السفن البخارية والتلغراف والطباعة، وهي إحدى نتائج العالم الاستعماري.
للتذكير، عندما دعا الإمبرطور الألماني العالم المحمدي للثورة على الإنكليز، وقف مسلمو الهند ضد ذلك لأنه كان سيعرض وضعهم تحت الاستعمار البريطاني للخطر.
أخيراً، يذكر الكاتب بأنّ من أسباب ثبات هذا المصطلح السياسات الاستعمارية بدءاً من سايكس بيكو مروراً باغتصاب فلسطين والعدوان الثلاثي وهزيمة عام 1967 وغيرها من الأحداث المفصلية. أمور كثيرة يعالجها المؤلف ومنها «داعش»، وخلافته الكاريكاتورية التي يرى أن فكرها أقرب في استناده إلى قولبة الإسلاموفوبيا من النظام العباسي أو العثماني.