أول كتاب نشرته هو «استطيقا وفن إسلامي»Esthétique et art islamique. نشر الكتاب بالفرنسية سنة 1990. ورغم طبعاته الثلات عامي 1996 و2016 وطباعة إلكترونية، فإنه لم يترجم إلى العربية إلا في أواخر 2016، وسوف يصدر قريباً.
منطلق السؤال في هذا الكتاب هو مشكلة الصورة في العالم العربي الإسلامي. لماذا وكيف اقتنع العرب والمسلمون بفكرة أسّس لها الاستشراق وتبناها الفكر التقليداني العربي وأصبحت مسلمة؟ مفاد هذه الفكرة أنّ العرب والمسلمين لا ينتجون الصور. وهم بهذا شعوب عمياء لا تفكر إلا بالكلام ولا تتملى البهاء إلا وهي تطمس حاسة البصر. أكيد أنّ الاستشراق لم يأت بالفكرة من فراغ. فمن جهة، هناك ما لاحظه الأوروبيون ــ عندما قدموا كغزاة إلى البلدان العربية ــ من غياب تام للصور حيث كان يجب أن تكون في نظرهم، وهي أماكن العبادة. وهناك من جهة ثانية، الكمّ الهائل للأحاديث الموضوعة والمكذوبة والمصنوعة التي يزخر بها صحيح البخاري على الخصوص وتتأرجح بين التحريم المطلق والإباحة والتَّكْريه الممنهج.

هل بالإمكان تأسيس فلسفة للجمال انطلاقاً من المصادر
العربية والإسلامية؟


لكنّ هؤلاء المختصين في شؤون العالم العربي، كما يسمون أنفسهم اليوم، لم يطرحوا على أنفسهم سؤالاً واحداً في ما يتعلق بالكم الهائل من الصور التي أنتجت في العالم العربي ونهبها الجنود أو أهداها الحكام العرب إلى الحكام الأوروبيين. وهي موجودة اليوم في متاحف ومكتبات العالم الغربي من روسيا إلى أميركا، مروراً بأوروبا الغربية.
لم يطرح ولو سؤال واحد حول التاريخ الفعلي لمنع الصورة في العالم الإسلامي السني على الخصوص. لم ينتبه علماء الاستشراق المسيحيون (على الأقل من ناحية المولد والمنشأ) حول العلاقة التي قد تصل المنع الإسلامي السني، بالجدل البيزنطي حول تداول الصور. باستقراء تاريخ الصورة عند العرب وعند غيرهم من الشعوب التي انصهرت في هذه الحضارة عن طريق العقيدة، يتضح أن تداول الصور لم يكن أبداً موضع سؤال حتى إبان نزول الوحي. والنص الواحد الصريح الذي لا يتحدث عن التصوير، بل عن تداول الصور هو مرسوم الخليفة يزيد بن عبد الملك الأموي الذي منع بموجبه تداول الصور في أماكن العبادة، وكان يقصد بها المساجد والكنائس على حد سواء، على اعتبار أن اليهود كانوا ولا يزالون يحرّمون الصور. وللذين يقرأون التاريخ بذكاء، سوف يرون أن هذا المرسوم تزامن مع حدثين أساسيين.
الحدث الأول هو الصراع السني الشيعي الذي كان قد بلغ أشده بموت الحسين واتهام الشيعة للأمويين باغتياله. والأكيد أنّ الشيعة مثل الكاثوليك، كانوا يستعملون الصور في المساجد للدعاية السياسية وذلك بتركيزهم على عذابات الحسين، تماماً كما كان يفعل الكاثوليك بصور السيد المسيح وعذاباته.
الحدث الثاني هو تزامن الجدل البيزنطي ومنع تداول الصور عند السنة مع عصر التدوين. لذا عندما نخضع الأحاديث للقراءة، يتضح كيف أنّ يد السياسة فعلت فعلها في وضع الأحاديث المتعلقة بالصور. هذا الجانب انتبه إليه بعض المستشرقين، لكنهم استكانوا إلى فكرة المنع ولم يبحثوا في ما وراءها.
ليس هناك إذاً غياب للصور ولا خوف ولا رهبة منها، بل هناك إنتاج للصور داخل القصور عوض أماكن العبادة.
لكن على العكس من ذلك، لم تنل الصورة مرتبة الفن، والفنان بقي في مرتبة الصانع. من جهة أخرى، لم يستطع الفكر الإسلامي الذي يعتبره كثيرون منبعاً قوياً لكل العلوم، وخصوصاً الروحية منها، أن ينتج علماً للجمال. لم يرتقِ الفن إلى مرتبة الإنتاج العاطفي ولا الفكري كما حدث في الغرب. 
من هذا الإشكال، جاءت فكرة العودة إلى الأصل والغوص في حفريات العين، سواء في الغرب أو في الشرق. تفكيك تكون ونشأة علم الجمال، فلسفة الفن التي نشأت في أوروبا وليس في غيرها تزامناً مع الحداثة، ومساءلتها عن كيفية نشوئها، وجذورها، وخصوصاً تلك التي تبنتها هي. كيف تفهم وتحلل العمل الفني وتقوّمه اليوم حتى نستطيع مقارنته مع الرؤية العربية الإسلامية؟
يجب أن نعرف أنّ خاصية الفكر الأوروبي (المسمى غربياً اليوم) منذ النهضة الأوروبية، تكونت من دون أن تنفي جذورها المسيحية، لكنها تشبثت بأصولها الرومانية والإغريقية. لذا نجد أن معظم الأنساق الفلسفية تحاول أن تجد امتداداتها في الفلسفة الإغريقية. وعليه، فإن المسألة التي تأسّس عليها الإستطيقا، تجد جذورها في النسق الأفلاطوني. للوقوف على هذه النشأة، يعود كتاب «استطيقا وفن إسلامي» إلى لحظة مهمة حيث يقوم أفلاطون كأنه طبيب حقيقي للعيون بتنقية العين الفيزيقية وربطها بالعين الصوفية حتى يسمح للروح بالعودة إلى النظر التأملي المبدئي. نزعة العودة هاته نحو الأصل، حيث انبجاس المعرفة كلحظة بصرية، سوف نجدها عند هايدغر كانكشاف وفسحة الوجود، وعند فرويد في ما يسميه المشهد البدائي.
نفس آليات الحفر سوف تطبق على الفكر العربي الإسلامي. أولاً في المنابع المقدسة، القرآن والسنّة، وبعد ذلك في الأنساق الفكرية التي تعتقد أنّها نشأت على أساس هذه المنابع. يتعلق الأمر بالغزالي وابن سينا وابن عربي، أي في اللاهوت والفلسفة المشائية والتصوف.
هل بالإمكان تأسيس فلسفة للجمال انطلاقاً من المصادر العربية والإسلامية التي ذكرنا؟ هذا ما يحاول الكتاب الإجابة عنه!