لا تكاد علاقة جيمس بالدوين (1924 ــ 1987) بأميركا تفرق عن علاقته بنفسه. المآزق القاتمة التي راح يعيها كـ «زنجي» يعيش هناك، ترافقت مع وعي الكاتب الأفرو أميركي لمثليته الجنسية؛ «الهوية الأميركية البيضاء هي سلسلة من الأساطير التي تهدف إلى عزل إحدى الحقائق التي لا تحتمل». تجاوز بالدوين السياسات الأميركية العنصرية خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات.
كتاباته ومقالاته رأت أبعد من تلك الأحداث الحاسمة في تاريخ السود. تقاطعت فيها المعاناة العرقية، مع أثقال الهويات الفردية، كجزء من مقارباته الشخصية والحميمة المتفرّدة للقضايا الجماعية بالمجمل.
رؤاه المتوقّدة، كانت هنا قبل وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وقبل أن يستحيل قتل الشرطة للرجال السود عادةً يوميةً. أخيراً، عاد بالدوين إلى الأضواء مع ثائقي «أنا لست زنجيك» للمخرج الهاييتي راؤول بيك، ومن خلال كتاب «بين العالم وبيني» للشاب تا ــ نهيسي كوتس الذي قدّم قراءات معاصرة للعرقية في أميركا، استلهمها من كتاب بالدوين «النار في المرّة المقبلة» (1963). أصدرت دار «تاشن»، قبل أيام، نسخة مميزة من هذا الكتاب الذي ضمّ مقالات بالدوين عن العرق والهوية وأميركا ومستقبلها. ترفق الطبعة الجديدة مقالات بالدوين بصور الفوتوغرافي الأميركي ستيف شابيرو لتظاهرات «حركة الحقوق المدنية» الأفرو ــ أميركية (1954 ــ 1968)، التي كان بالدوين أحد أبرز وجوهها مع نخبة من الفنانين والكتاب السود الآخرين. في الكتاب، يبعث بالدوين برسالة إلى أحد أبناء إخوته في الذكرى المئوية لتحرير العبيد: «إنها أرضك يا صديقي، لا تجد نفسك مدفوعاً للخروج منها. رجال عظماء حققوا أشياء عظيمة، هنا، وسيفعلون مجدداً، ونستطيع أن نجعل من أميركا ما يجب عليها أن تكونه». ثنائية الدين والعرق، التي يعتبرها بالدوين المكوّن الأساسي لأميركا، تشكّل محور «النار في المرّة المقبلة»، لكن من منظور شخصي يتجاوز العرقية الأميركية إلى معاناة الإنسان الأشمل.