من الضروري بداية تأكيد رأينا بحساسية موضوع هذا المؤلف، أي الفلسطينيون في الأردن، الذي يتم تجاهله على نحو مريب. ولأن التاريخ السائد لعلاقة الفلسطينيين وفلسطين بعبر- الأردن، أي الدولة الأردنية، يكاد يكون غير معروف، فهذا ما يضاعف من تعقيد المسألة. العلاقة بين الشعب الفلسطيني ـــ بالبعد الجغرافي فقط ـــ ونظام عمان، لم تكن ودية يوماً ما. فالفلسطينيون يعدون نظام عمان مشاركاً الحركة الصهيونية في تقاسم فلسطين (الانتداب)، وهم محقون في ذلك. كما ينظرون إلى قيام نظام عمان بضم حصته من أرض فلسطين ليس فقط على أنه مكافأة استعمارية له على تواطئه، وإنما أيضاً سعي استعماري لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية، وهم محقون في هذا أيضاً. من هذا المنظور، وجب النظر إلى مؤلَّف الكاتبة الإنكليزية المحاضِرة في جامعة «يورك» البريطانية.
وضع الفلسطينيين في الأردن، أي الفلسطينيون حاملو التبعية (الجنسية) الأردنية، معقد لأسباب عديدة. من ناحية، هم يعدون أنفسهم فلسطينيين ضحايا مؤامرة سايكس- بيكو، ويصرون على التمسك بهويتهم النضالية هذه، لكن في الوقت نفسه، هم أيضاً مواطنو الدولة الأردنية بما يمنحهم حقوقاً دستورية كاملة، آخذين في الاعتبار أنهم يشكلون ما يزيد عن 75% من مجمل سكان الدولة الأردنية، أي المملكة الأردنية الهاشمية. الواقع هو أن لا حقوق لأي من مواطني الأردن مهما كانت خلفياتهم، حيث يحكم البلاد نظام أقرب إلى العصر الحجري منه إلى أي عهد من عهود البشرية الأخرى. خصّصت الكاتبة الفصل الأول من مؤلفها «ظهور المجتمع الفلسطيني في عبر- الأردن» لعرض تاريخ تأسيس دائرة المستعمرات البريطانية هذه الإمارة في عام 1922، والتحديات التي تواجه نظام عمان الحالي. أما الفصل الثاني، فقد خصصته الكاتبة لمسألة المواطَنَة والتبعية [أي: الجنسية]، في الأردن وتناقش فيه مختلف القوانين والضوابط التي وضعها نظام عمان لتعريف شخص ما بأنه «أردني!»، والتناقض بين تلك التشريعات التي تتجاهل الواقع المعيش والتزامات النظام العربية والدولية، ومن ذلك وضع أبناء «الأردنيات» المتزوجات بمواطنين من تبعية أخرى، ما حدا بالأمم المتحدة إلى القول بأنّ هذا القانون يتعارض مع المعاهدات الدولية بخصوص حظر التمييز ضد النساء.

بعض الأثرياء يحاولون إخفاء أصولهم لأسباب اقتصادية اجتماعية
إضافة إلى ما سبق، يذكر هذا الفصل بمجموعات «إثنية» أخرى في الأردن مثل الشيشان والجركس، ما يعقد من مسألة تكوّن مواطنة موحدة، ذلك أن القسم الأكبر من العبر- أردنيين هم عشائر لا يجمعهم جامع قومي موحد. تستعرض الكاتبة في الفصلين التاليين («الأغلبية الفلسطينية - الأردنية»، و»الاقتصاد الاجتماعي للهوية») مختلف الآراء بخصوص دور الدخل والموضع الطبقي في التحديد الذاتي للانتماء. كما تطرح أسباب محاولة بعض الأثرياء الفلسطينيين إخفاء أصولهم حيث يتبين أن الهدف اقتصادي اجتماعي. فالانتماء الفلسطيني لرجال الأعمال الأثرياء يعني بالضرورة فقدانهم مواقعهم الاقتصادية. في الفصل السادس، تتعامل المؤلفة مع مسألة الانتماء الديني ودوره العلني والخفي في تحديد الهوية والانتماء. وفي الفصل السابع والأخير، تستعرض الكاتبة دور وسائل الاتصال الحديثة، أي الإنترنت في تحديد الهوية الوطنية والانتماء خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين والمهَجَّرين الفلسطينيين في مختلف بقاع الأرض، وفي الغرب على نحو محدد. تبيّن الكاتبة دور الفضاء الافتراضي في توحيد الفلسطينيين، تماماً كما وحد العرب في انتفاضاتهم الأخيرة. رغم حساسية الموضوع والعواطف المحيطة بالنقاش فيه، فالمؤلف مهم للغاية، ذلك أنّه المحاولة الأولى لطرح المادة بالصراحة المطلوبة في أي مؤلف علمي. وقد أفلحت الكاتبة في الاحتفاظ بعلمية بحثها، ذلك أنّها تركت لأطراف عديدة التحدث عن نفسها والتعبير عن رأيها واكتفت بتحليل المعطيات التي جمعتها.
تنهي الكاتبة عملها الفذ بتأكيد الطبيعة القمعية لنظام عمان وكونه يمارس التفرقة بحق الفلسطينيين. أما الصورة التي يرسمها عن نفسه، أي واحة ديمقراطية وسط صحراء، فهي ــ بكلمات الكاتبة ــ سراب.
العلاقات الأردنية - الفلسطينية، مهما كان المقصود بالأول، تبقى معقدة وحساسة، بسبب التحريض المستمر لضيقي الأفق واللاهثين وراء سراب هوية عبر-أردنية غير موجودة.