من المؤسف عدم احتواء المكتبة العالمية مؤلفات عربية عن الجاليات اليهودية التي عاشت في مختلف أنحاء العالم العربي حتى انتصار الصهيونية واغتصابها فلسطين، وبالتالي منح نفسها شرعية تمثيل "يهود" العالم، مع أنها حركة إشكنازية غربية غريبة عن تقاليد المزراحيم وعاداتهم وتعبدهم، بل حتى معادية لهم، كما توضح كثير من المؤلفات التي صدرت داخل كيان العدو وفي خارجه. كاتب هذا المؤلف استشار مؤلفات ومراجع كثيرة صادرة بلغات مختلفة، وأشار إليها لافتاً إلى نقاط ضعفها وأهميتها.
طومر ليفي يوضح أن عمله يركز على أن نموّ الجالية اليهودية في بيروت، وتطورها، في الفترة من نهايات العهد العثماني إلى الاحتلال الفرنسي، ارتكز على أربع قوى رئيسة هي التعددية الثقافية والتجارة والأعمال الخيرية والهجرة، خصوصاً من حلب ودمشق وصيدا وجبل لبنان وإزمير وسالونيكي وإسطنبول وفلسطين وإيران وبغداد، لكن الأغلبية كانت سورِيَّة ولغة الجميع كانت العربية، وهو ما دفعه إلى تسمية مؤلفه «يهود بيروت» وليس "اليهود البيروتيين" أو "اليهود اللبنانيين"، أسوة بمؤلفين آخرين عن المادة. يؤكد الكاتب على صحة اجتهاده بالتذكير بحقيقة أن اليهود الذين هاجروا من جبل لبنان إلى بيروت لم يطلق عليهم صفة لبنانيين، بل سمّوا "الديارنة"، نسبة إلى بلدتهم الرئيسة دير القمر. كذلك تشير إلى حقيقة انقسام يهود بيروت إلى جبهتين مارونيتين متعارضتين ومتنافستين، هما عائلتا إدة وعريضة من جهة، وبيار الجميّل وكتائبه من جهة ثانية.
المؤلف يحوي أسماء العديد من القيادات والعائلات من الجالية اليهودية في بيروت، ومنهم على سبيل المثال المصرفي يعقوب صفرا عميد العائلة، المهاجر من حلب إلى بيروت ــ المرفأ، عقب الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى أبراهام المالح وسليمان إلياهو صاحب الصحيفة البيروتية (العالم الإسرائيلي) الناطقة بالعربية، وعائلات أخرى ثرية منها فارحي، وأنزروت، يرور، وبنيامين وديشي بي، وخياط، وحراري، ودانا وساسون وباطش وشعيو وليفي وخدوري زلخا ونسيم حنان وموسى سعرور ودافيد برانس.
يوضح الكاتب أن نموّ الجالية اليهودية في بيروت وتطوّرها ارتكز أساساً على تحولها هي ومدينة الإسكندرية إلى مركز تجاري مهم، بعد افتتاح قناة السويس. على سبيل المثال، عدد سكان بيروت في مطلع القرن التاسع عشر لم يزد على 6000 نسمة، إلى 150000 في أثناء الحرب العالمية الأولى. أما عدد سكان بيروت من اليهود في الفترة ذاتها فقد نما من بضع مئات إلى 3500 نسمة، وإلى 20000 نسمة في الإسكندرية.
ومن هذا المنظور، تعامل المؤلَّف مع ديناميكية التطور الذاتي، المختلف جوهرياً عن جاليات أخرى اعتمد نموّها وتطورها على التدخل الخارجي، أي الغربي. لذلك، الكاتب يشدد على خصوصية الجالية اليهودية في بيروت، وهو ربما ما يشرح قيام المصرفي إدمون صفرا، ابن عميد العائلة المذكور آنفاً، بتأسيس (صندوق التعليم السفاردي الدولي) في كيان العدو بهدف مساعدة اليهود المشرقيين (سفارديم)، أي المزراحيم.
كل هذا، يؤكد الكاتب، لا ينفي حقيقة أن الجالية اليهودية في بيروت تعزز موقعها وأمنها إبان فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا.
المؤلف يضم خمسة فصول، أوّلها «الجاليات اليهودية في مدن المشرق المرفئية» الذي يركز على نمو الجالية اليهودية في بيروت ضمن الإطار المشرقي الواسع، الذي يضم أيضاً الإسكندرية وإزمير.
الفصل الثاني، «صعود الجالية اليهودية في بيروت»، يركز على المادة نفسها لكن ضمن مدينة بيروت تحديداً.
الفصل الثالث «أيديولوجيات متنافسة»، يناقش مسألة الأفكار اليهودية وتنظيماتها المتنافسة مثل (Alliance Israélite Universelle) الفرنسية التأسيس والعلمانية التوجه، وبعض التنظيمات الصهيونية، وأخيراً التنظيم الأميركي التلمودي بناي بريث (B’nai B’rith)، وتأثيره في تطور الجالية.
الفصل الرابع «من يتحكم في التعليم اليهودي؟» ينتقل لمناقشة ولادة مؤسسات التعليم اليهودي في بيروت وكل من المدرسة التلمودية لصاحبها سليم طرّاب، ومدرسة الأليانس الآنفة الذكر، واللتين أفسحتا في المجال أمام ولادة قيادات الجالية.
الفصل الخامس والأخير، «ثقافة العطاء»، يناقش دور العمل الخيري في تطور الجالية وتنظيمها، ما قاد في فترة لاحقة إلى تحول الجالية اليهودية في بيروت إلى مكون في الموزاييك اللبناني بعد فصل الفرنسيين الأخيرة عن سوريا. أخيراً، من الجدير بالذكر حقيقة أن الجالية اليهودية في بيروت/لبنان استمرت في النمو عددياً بعد اغتصاب فلسطين عام 1948.