كتب عديدة عن مختلف مراحل تاريخ الشرق القديم صدرت، ومنها ما ترجمه بعضهم واضعاً اسمه عليها بصفته المؤلف. المكتبة العربية فقيرة بالمؤلفات الأصيلة عن الموضوع، أما المكتبة الغربية، وحتى الشرقية، فتحوي عدداً كبيراً من المؤلفات عن المادة، وهذا واحد منها.من المعلوم أن الكتابة عن تاريخ إقليمنا وممالكه المختلفة أمر معقد حيث الاعتماد على اللقى الأثرية يدفع كل باحث إلى تقديم تأويله الخاص لمغزاها، أو أن ينحاز إلى هذا الرأي أو ذاك، وقد نوهنا إلى فضائح بعضهم المدوية في كتاباتنا.

الكتابة في تاريخ الإقليم القديم كثيراً ما تبقى أسيرة التأريخ الخلاصي، الذي يحاول جاهداً ربطه بما يرد في بعض أسفار «العهد القديم»، ومنها سفرا الخروج وأخبار الأيام.
من هنا، فإن اختيار إريك كلاين لهذه المرحلة مادة لمؤلفه توحي بتبنيه ذلك اللامنهج، وخصوصاً استعماله «قبل الميلاد/ ميلادية» بدلاً من «قبل التأريخ السائد، التأريخ السائد/ Before Current Er (BCE), Current Era (CE)) المحايد علمياً الذي يستعمله عدد متزايد من العلماء، لكنه في الواقع ينفي العثور على أي أثر يربط تلك المرحلة بأي حدث «توراتي».
على أي حال، موضوع الكتاب هو تلك المرحلة من الفوضى التي عمت مجمل الإقليم، وقادت إلى انهيار حضاراتها لعقود، على ما يقوله أهل الاختصاص. الكاتب اختار هذا العام عنواناً لمؤلفه لأن المؤرخين يربطونه بالهجوم الأخير لما يسمى بشعوب البحر الذين هزمهم الفرعون تحوتمس الثالث وقواته. الميزة الأخرى لهذا الكتاب التي تستحق التنويه بها أن المؤلف يعرض كل الآراء بخصوص مختلف النقاط الإشكالية، من دون أن يتبنى أحدها.
من المفيد هنا التذكير بأن الكاتب بروفسور الأنثروبولوجيا الكلاسيكية وعالم آثار عمل في مواقع في اليونان وقبرص وجزيرة كريت وفلسطين المحتلة والأردن ومصر، وهو في الوقت نفسه مدير «معهد الكابيتول للتنقيبات الأثرية» في «جامعة جورج واشنطن».