ترجمة: الخضر شودار
راعية البيت
في الصيف الأوّل عشتُ وحيدة،
عشت في بيت معار
بمسقط رأسي
لم أكن قد كسرت بعد ألفة ذلك المكان، حتى وإن تركت أشيائي
في مدينة أخرى
كنت أعرف بأنني سأغادر في الخريف.

لم يكن في حوزتي هاتف، ولم أكن أتلقى
رسائل، سوى العابر اليومي
البليد. بيت تحت الأشغال،
السقف العالي صار من الخواء
أوسع وأعلى. كنت أنام
نهاراً في سرير
يُطوى على الحائط. الغرف
الأخرى عارية، بالرغم من الشمعدان
الذي لا يزال يتدلى قريباً من المكان
حيث الطاولة، والمرآة التي
تعلو من أسفل الأرض حتى السقف.
انتابني ارتياح بأنه لا شيء
هناك سأعتاد عليه، كنت في المساءات
أوقد شموعاً كما لو لضيوف وهميين
وأراقص ذاتي المتلاشية
فيما المرايا تحرك في الهواء
جسدي الساكن.

تأنيب

لفترة طويلة كانت تظل هناك أشياء
لتصليحات صغيرة كنت تنسى
أن تتخلص منها، أو تغفل عنها بالمطلق.
هذه الأشياء لا تعيد ذكراها إليك أنت بل إليّ أنا
بالنظرة ذاتها التي أرى بها عنكبوتاً تفك نفسها
في ظهيرة دافئة متأخرة، كي تدرجَ
ثانية على مهل ــ مهما كان الوقت قصيراً،
أو ضيقاً، ومؤنباً ــ قبل أن يكتمل الخريف.

أشياء الزوجة السابقة

لثلاثة أعوام كنتَ تعيش في بيتك
تماماً مثلما كنتَ قبل موتها: بورتريه
زواجكما على الرّف، ثيابها المعلقة
بالخزانة، شعرها العالق في المشط
قلتَ لي إنك تخلّصت من كل ذلك
وإنك في ما بعد بعتَ البيت، واحتفظت بالعقد
بين ملابسها. اسمها المكتوب بخط يد شارد
على باطن الخاتم الذهبي، خاتمك الذي في
الصندوق ذاته، تلك الصور التي ما زلت تتحاشاها
وغطاء السرير الذي أفردته فوق أشيائكما المتبادلة
الصغيرة. منذ أشهر من لقائنا، حين أخبرتني أنها
هي من حاكتْهُ، بعدما كنا قد نمنا في
ثناياه الرقيقة، بنقوشه المنسولة، كما لو كنا نائمين تحت
شبحها وهو يتحرك معنا بكل ذلك السواد وتلك النعومة.

العودة الى البيت

الكاميرا مثبتة على ناصية الباب، لا أحد
في الشاشة، وحده الكلب غافٍ. ثم
أخيراً عرفت أن ذلك كان لمباغتتك
بتسجيل لحظة وصولك، وسرور الكلب بقدومك. والآن
ستة أعوام مضت، هل يبدو هذا مكتوباً ومقصوداً:
الدقائق الطويلة الفارغة التي قضتْها تنتظر، ساهية
لكنها حاضرة ــ وراء عين الكاميرا ــ كما لو كانت توجهني
لأدرك خفقان صدرها
في تجلي واختفاء الشاشة، وأسمع
لأعرف من سعلة واحدة، لا شيء، أو نحنحة
في حلقها. ثم ها أنت أخيراً تعود إلى البيت
ناظراً إلى الكاميرا التي كانت تمسك بها،
عابراً منها إليّ ــ لامرئياً، خارج المخيلة فيما انضم إليها آخرون ليروا عبر المؤقت فينا صَبواتنا الدائمة.
دفنتُ كلب الراعي لأجلك، محاولة
أن أخفف عنك الألم، بالحفر عبر
جذور شجر غليظة، مطر سابق على أرض مندّاة لتقسو،
وتراب يابس مهلهل.

يوميات

هذا موسمها الذي كانت تموت فيه، أنت
من قيّده بنفسك، عثرتُ تحت الدرج
في صندوق مليء بالصور ــ على يومياتها
في عامها الأخير، جدول سرد
لم تحاول الكتابة عليه، وفي خانة
الأيام، كان من عادتها أن تكتب
بقلم الرصاص ما يقبل المحو، أو النقل، محتفظة
بالحبر الأسود لما يبقى على الدوام:
تاريخ عيد ميلادك، عيد ميلادها، عيد زواجكما، وبخط
تلك اليد الواثقة ذاتها، أخذ المرض
يشوش هذا النظام، لكنها لم تمحُ شيئاً.
الآن وفي خانة الأيام تأتي نداءات المستشفى، تجلي أول كلماتها السرية، باهتة لكنها واضحة في صور رئتين نديتين بين ضلوع متشابكة، وجسد منسي كماء شفيف ترى من خلاله حتى القاع.

* كلوديا إمرسون (1957 - 2014)، شاعرة أميركية من ولاية فرجينيا. حاصلة على ماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة كارولينا الشمالية في غرينزبورو عام 1991. سُمّيت شاعرة أميركا لولاية فرجينيا عام 2010. عملت في التدريس في كثير من المعاهد الجامعية، وكانت تدرّس الكتابة الإبداعية في جامعة فرجينيا كومونويلث منذ عام 2013. توفيت بسرطان القولون عام 2014. نشرت خمس مجموعات شعرية وساهمت في أكثر من أنتولوجيا شعرية، وصدرت لها أخيراً بعد وفاتها مجموعة شعرية بعنوان «البيت المقابل». القصائد المترجمة هنا من مجموعتها «الزوجة السابقة» التي حصلت بها على «جائزة بوليتزر للشعر» عام 2006.