هشام أصلان *1
لأسباب ما، تعطلت عن التعرف إلى عدد من الأسماء الأدبية الكبيرة في وقت مناسب. اطمئنان خادع يؤجل هذا التعرف، ليقطعه رحيل أحدهم. أنسي الحاج واحد من هؤلاء. مهلاً. اطمئنان إلى ماذا؟ أنت تتحدث حول التعرف إلى كتابته عن قرب، لا عن صداقة شخصية. لا يوجد فارق كبير، إذن، في أن يحدث هذا وهو على قيد الحياة أو بعد رحيله. لا، الفارق يخصك أنت. الرحيل سُنة الحياة، لكن وجود من هم مثله لأطول فترة يوفر شيئاً من الإثارة الأدبية، خصوصاً مع قلة الأقطاب في الأجيال التالية. الفجوة بين جيل الستينيات وجيل ما بعد الألفية خالية إلا من مواهب فردية، وأجيال المنتصف لم تجتمع على أسئلة كبيرة.

2
لأنه من المحظوظين بأسمائهم.
أنسي الحاج. هذا اسم له ألق ورنين محبب، تسمعه طيلة الوقت ويهيأ لك أنك تعرفه جيداً لمجرد استساغتك إياه. بل هو، على حداثته الشعرية، يعطيك انطباعاً بعدم المعاصرة. هو يصلح، أيضاً، لأخذ مقاطع على لسانه تصديراً لكتاب، أو ستاتوس على فايسبوك، وهذا لا يحدث كثيراً مع من هم على قيد الحياة، خصوصاً أنّه كان أصغر عمراً مما أظن.
هو مثل فيروز يجتاح
الإنسانية بهوى بيروتي


لأنه، أيضاً، يتمتع بوسامة غير تقليدية، وحضور يليق بشاعر وكاتب كبير، وأنا أنحاز لوسامة الكاتب بقدر انحيازي لموهبته.
3
هناك شعرة فاصلة بين الاستغراق في المحلية، وبين الاتكاء على خصائص مدينتك. الأول يذهب بك خارج الحدود انطلاقاً للإنسانية بأسئلتها الكبرى، والثاني يحولك إلى فولكلور. وأنسي الحاج من النوع الأول، يجتاح الإنسانية بهوى بيروتي. هو مثل معشوقته فيروز. «فيه شيء أكثر» كما قال عنها. فيروز التي انطبع اسمها على إكليل زهور تقدم نعشه، وتحدث عنه كثيرون. علاقة لافتة، وأنا أحب فيروز. لكنني انتشيت أكثر عندما نعته إليسا، شعور سطحي ربما. هو دلالة على دائرة أوسع للانتشار، أو بسبب ارتياح شخصي لأن تكون لها ذائقة محترمة. لا، ليس هناك داع للتبرير، قالت: أتمنى لو أن العظماء لا يموتون، لأنهم لا يقدرون بثمن، حيث يتركون فراغاً كبيراً وراءهم بعد رحيلهم.
* قاص وصحافي مصري