شهدت العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحركة المقاومة الإسلامية حالاً من المدّ والجزر إثر الارتدادات الكبرى التي أحدثها الحراك الاحتجاجي في العالم العربي. بقيت القضية الفلسطينية الوتر الجامع بين إيران وحماس مع وجود تصدعات حكمها أكثر من عامل إقليمي.في دراسته «التقارب بين حماس وإيران ــ بين الضرورة والخيار» (مؤسسة الدراسات الفلسطينية ـــ جامعة بير زيت: معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية)، يتناول رائد اشْنيوِر تاريخ العلاقات بين الطرفين بدءاً من عام 1990، أي بعد ثلاثة أعوام على تأسيس «حماس»، وصولاً إلى أحداث «الربيع العربي» في مصر وسوريا تحديداً التي وضعت الحركة على مفصل الافتراق عن طهران.

بعد إطلالة موجزة على بدايات التقارب الإيراني ـ الحمساوية، يحاول الكاتب تحليل العوامل السياسية التي حكمت مسار الروابط وقضاياها المتداخلة. يركز على ثلاث محطات رئيسة: الأولى وصول حماس إلى السلطة والحصار الذي فُرض عليها؛ والثانية، تداعيات الربيع العربي ودخول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم وتردي علاقة الحركة بالنظام السوري، والثالثة خروج الإخوان المسلمين من الحكم في مصر.
لم تكن الثورة الإسلامية في إيران تمثل بداية التقارب مع الثورة الفلسطينية وحركتها النضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي. ثمة ارتباط أبعد من ذلك الحدث كما يوضح اشْنيوِر. إذ قامت تظاهرات عدة في طهران عام 1948 تنديداً باحتلال فلسطين. حاولت قوى اليسار الإيراني عام 1967 إقامة علاقة مع اليسار الفلسطيني في «منظمة التحرير». كان الهدف الإفادة من الخبرات العسكرية الفلسطينية، فضلاً عن استغلال القنوات الفلسطينية في بيروت من أجل التعبئة الدعائية الإيرانية ضد نظام الشاه.
حاولت قوى اليسار الإيراني عام 1967 إقامة علاقة مع اليسار الفلسطيني
نهض التقارب الإيراني مع «حماس» على مجموعة من القواعد أبرزها الانخراط القوي للحركة في المقاومة المسلحة ضد اسرائيل خلال الانتفاضة الأولى وما بعدها، وتبنيها النظرة الإسلامية لتحرير الأرض.
يرى اشْنيوِر أنّ الإيديولوجيا ليست أساس التقارب بين إيران وحماس، بل تتحكم بهما المصالح السياسية والاستراتيجية. ومن خلال موقع الإيديولوجية الإسلامية، يسعى إلى فهم العلاقة بين الحركة و«حزب الله» مستشهداً بما أكده خالد مشعل حين قال: «لا مشكلة لدينا بالتعامل مع الشيعة أو غيرهم، نحن نريد أن نوحد الأمة على قضية فلسطين». هذا الاتجاه للحركة (الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين في مصر) ليس جديداً. هو يشكل امتداداً لرؤية مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنَّا من الشيعة. في هذا السياق، يقول المرشد الثالث عمر التلمساني: «إن الخلاف بين الشيعة والسنة ليس جذرياً ولا يمس الأصول في شيء. يجمعنا أمر واحد هو «لا إله إلاّ الله محمد رسول الله» وليختلفوا بعد ذلك ما يشاؤون، أي أن الاختلاف في الفرعيات فقط وليس الأصول».
يتطرق الكاتب إلى المحاولات المصرية السعودية لاحتواء «حماس» قبل الربيع العربي لإبعادها من إيران بهدف الحد من نفوذها الإقليمي. يذهب إلى أن طهران في حاجة إلى التقارب مع حركة سنية بحجم «حماس» وموقعها، كي تخفف العداء الطائفي، السني _ الشيعي.
أدت التحولات التي فرضها «الربيع العربي» إلى تأزيم العلاقات بين «حماس» والنظام السوري الذي يعد حلقة الوصل الأقوى بين الحركة وإيران.
أيّد الحمساويون الحراك الاحتجاجي في سوريا، في خطوة اعتبرها بعضهم خروجاً على السياسة المعتادة في التزام الصمت. انطلقت القراءة المغلوطة ـ كما يوضح اشْنيوِر ـ من قبل الحركة للأحداث الجارية في سوريا من المعايير الآتية: أرادت إثبات أن قرار التخلي عن أقرب المقربين هو خيار متاح إذا ما توفر حلفاء آخرون، وإذا تضاربت مصالح هذا الحليف مع مصالحها. سعت إلى نقل مركز ثقلها القيادي من سوريا إلى مصر، إذ كان وصول الإخوان إلى الحكم في مصر المؤشر الأهم إلى إمكان حدوث هذه الخطوة، فيما كان هناك تعويل على سقوط النظام السوري وبروز الإسلاميين في سوريا، استناداً إلى التجربتين المصرية والتونسية. مع ذلك، حافظت الحركة على علاقة جيدة بالجمهورية الإسلامية الداعمة للنظام السوري. يأخذ الكاتب في الاعتبار العامل المصري ووصول الإخوان إلى الحكم ثم سقوط «نظام المرشد». يحدد مواقف قيادات الصف الأول في الحركة من «ثورة 30 يونيو» راوحت بين مؤيد للنهج العام لجماعة الإخوان الرافض لما أسمته «الانقلاب على الشرعية»، ومحايد فضل عدم التدخل تفادياً للصدام مع القيادة المصرية الجديدة. إزاء ما حدث في مصر، ما هي انعكاسات ذلك على العلاقة بين «حماس» وإيران؟
يلاحظ أنّ إعادة بناء الجسور مع طهران تندرج في مسارين محتملين: الأول السعي الى ترميم محور الممانعة الذي كادت «حماس» تخرج منه بعد الموقف من الأزمة السورية، وتولي الإخوان الحكم في مصر. وهذا قد يدفع الحركة عبر البوابة الإيرانية لإصلاح روابطها مع دمشق. والثاني البحث عن طوق النجاة الإيراني بعدما فقدت «حماس» الحليف الأهم في مصر، بما سيسرّع عودة العلاقات بين الجانبين في ظل تشديد مصر الحصار على القطاع.
تمكن اشْنيوِر من الاحاطة بجوانب مهمة طبعت العلاقات بين إيران و«حماس». كان عليه توسيع دراسته أكثر في مقاربة العامل القطري الطارئ ومدى تأثيره في المحور الإيراني ـ السوري. سقط في فجوة حين أشار على عجالة إلى عدم وجود روابط بين الحركة الأم لـ «حماس»، حركة الإخوان المسلمين والجمهورية الإيرانية، علماً أن التواصل بين الجماعة والإسلاميين في إيران قديم، وإن انطبع بالطابع المتوتر لا سيما مع الفرع الإخواني السوري.