ترجمة وتقديم: خالد المعاليبعض الجرائد العربية التي تخصّ كتّابها بمكافأة لقاء الكتابة فيها، يمتنع عن دفع المكافأة لقاء نشر الشعر، باعتبار أن القصيدة لا يمكن أن تقّدر بثمن! وهذا هو السبب المعلن، أي أنه كما يُراد من الشاعر أن يفهم، يتأتى عدم الدفع لقاء نشر القصيدة، من الاحترام الكبير للقصيدة! أما كيف يعيش الشاعر؟ من أين يأتي بثمن الخبز؟

فهي مسألة لا تريد الجريدة العربية التفكير بها، فالسبب الحقيقي، السبب غير المعلن عن عدم دفع المكافأة لقاء النشر ينطلق من احتقار الجريدة للقصيدة واعتبارها شيئاً غير ذي أهمية ولا يستحق عناء الاهتمام ويكفي الجريدة أنها نشرت القصيدة أصلاً! وأصل المشكلة هو الشاعر المزعوم نفسه، ذلك أن أغلب ما ينشر من شعر اليوم ما هو إلا ملاحقة مستمرة من لدن الشاعر المزعوم لكي يستطيع تدبير حياته بأي ثمن! حتى لو كان نشر ما هبّ ودبّ من نتاج مخيلته التي تغذيها أحلام المكافأة وتدبير المعيش اليومي والشهرة التي من المحتمل أن تجلبها عملية النشر! وسبب هذا، انعدام المقاييس الفنية في النشر، إلغاء تام لكل حرية النشر التي يمكن أن تنطلق من لدن المحرر المكبّل بأولويات أصحاب الجريدة، وهي في الأغلب ليست أولويات يتحكم بها النقد!
هنا ضاعت المقاييس ولم يعد ممكناً التفريق بين الشاعر الحقيقي الذي لديه ما يقوله والآخر الذي ليس لديه ما يقوله، وبالتالي انعدم الفرق بين القصيدة والأخرى التي تشبه القصيدة! وأضحت هذه الظاهرة هي الميزة الواضحة للصحافة الثقافية العربية، في حين مثلاً، لا تنشر صفحات الجرائد الألمانية القصيدة بشكل عام، وهي إن فعلت، وبعضها يفعل ذلك ويُبدي اهتماماً خاصاً بالأمر، مثل FAZ أو NZZ فهي تعطيها المكان اللائق ولا يمكن أن تكون طويلة، إلا في حالات نادرة جداً، والمكافأة جيدة وهي تقريباً 4 أضعاف المكافأة التي تسلّمها من أي جريدة عربية لقاء مقال يشغل نصف صفحة في الجريدة!
لكن المشكلة ليست وليدة اليوم، لا في الشرق ولا في الغرب، بل هي جزء من الحياة العامة، سواء تعلق الأمر بالثقافة أو بغيرها من أمور الحياة، وقصيدة فريدريش شيلر التي نقدّم ترجمتها هنا، توضح هذه القسمة التي ابتلي بها الشاعر، الشاعر الحالم، الشاعر الذي يكابد من أجل الحرف، من أجل أن يمسك المعنى من أزياقه ليكون أمامنا في القصيدة التي نقرأها ونعيد قراءتها منذ قرون وقرون، سيان في أية لغة كتبت وفي أي مكان تُركت لكي يكتشفها قارئ ما، كتب شيلر قصيدته عام 1780، آنذاك، لم يكن الحديث عن حقوق الطبع قد عُرف بشكل واسع، من دون أن يعني هذا عدم وجود المشكلة، فلم تمض خمسون عاماً حتى أنجز الرسام الألماني شبيتسفيغ رسمته المشهورة «الشاعر المسكين» التي تشكل خير تعبير عن محنة الشاعر في العالم:

تقسيم الأرض
خذوا العالم! نادى زيوس من كهوفه
على البشر! خذوه! ليكن ملكاً لكم
أهديه لكم للتوارث وللإقطاع الأبدي
لكن اقتسموه بأخوة بينكم!

وهنا، سارع من له يدان لكي يدبّر حاله
وانشغل الشاب منهم والعجوز
الفلاح صار يبحث عن ثمر الحقول
والملاكُ يذرع الغابات ماشيا.

التاجر يأخذ ما يمكن أن يحتويه مخزنه
رئيس الدير يختار لنفسه أفضل النبيذ
والملكُ يقيم حواجز على الجسور وفي الشوارع

قائلاً بأن حصته هي العُشر من كل شيء!
وفي وقت متأخر جداً وبعدما تمت القسمة
اقترب الشاعر الذي جاء من بعيد جداً
آخ! حيث لا يمكن أن يرى شيئاً
وحيث لكل شيء مالك وحرّاس.

يا ويلي! هكذا عليّ أن أبقى وحيداً
دون الجميع ومنسياً، أنا أبنك المخلص الحبيب
دوّت لوعته هكذا وعلا نوحه
ورمى بنفسه أمام عرش الإله!
إذا كنتَ تريدُ أن تقيمَ في بلاد الأحلام
أشارَ له الربُّ، لا تشكّ بي

إذْ أين كنتَ، عندما قُسّم العالم
كنتُ، قال الشاعر، كنتُ عندكَ.

فعيني كانت معلّقة بطلعتك
وسمعي مرهف بتجانس سمائك
أعذر الروح التي تنتعش
بضوئك والتي أضاعت ما هو أرضي!

ما العمل؟ قال زيوس، لقد وُزِّع العالمُ
الخريفُ، الصيدُ، السوق، لم يعودوا لي
إذا كنتَ تريد أن تعيش معي، في سمائي
فهي ستكون مفتوحة أمامك كلّما أردت المجيء!