هناك الكثير من الكلام عن صعوبة صيانة الأجهزة الإلكترونية، وأن هذا الأمر يحصل بالتزامن مع تطوّرها. بحكم خبرتك في هذا المجال، ما هو مدى توافر الكتيبات أو ما يُعرف بالـ«blueprint» لخرائط اللوحات والمكونات الإلكترونية، للأجهزة كافة؟ وماذا تفعل عندما لا يتوفر دليل صيانة؟إن الصعوبة في مجال صيانة الإلكترونيات أتت مع كل تطوّر حصل في مجال الأجهزة الإلكترونية. وهو تطوّر حصل، وما زال يحصل، بوتيرة متسارعة. سابقاً، لم تكن اللوحات الإلكترونية الداخلية للأجهزة تتطلب أدوات وأجهزة صيانة عديدة، بل كانت تمتاز بقطع إلكترونية ذات أحجام مناسبة ومسافة بين بعضها البعض. عملياً كان يمكن التعامل معها بالعين المجردة وبأدوات غير مكلفة. لكن مع التطوّر المتسارع، ازدادت صعوبة الصيانة بعد تحجيم المكونات الإلكترونية وحشرها في بوردات (ألواح) صغيرة المساحة، ولا سيما بالنسبة إلى الأجهزة الصغيرة بحجمها أساساً، كالهواتف والحواسيب المحمولة، ما أوجب استخدام المجهر وأدوات صيانة دقيقة مكلفة.
ومع انتشار الإنترنت أصبح سهلاً تسريب وتبادل بعض خرائط التصميم الخاصة بالأجهزة الإلكترونية. فمن النادر أن تجد شركة مصنّعة لجهاز ما ترفق معه المخطّط الإلكتروني له أو توفّره لمن يطلبه عبر موقعها. وإذا توفّر عبر الإنترنت يكون عبر أفراد أو مواقع أخرى نتيجة تسريبه من داخل الشركات الأم. أما بالنسبة إلى الدليل التقني، فإنه في أفضل الحالات هناك شركات توفّر للمستهلك ما يعرف بـ«service manual»، وهو عبارة عن كتيّب إرشادات لبعض الأعطال البسيطة التي لا تغطّي إلا نطاقاً محدوداً من متطلبات الصيانة. إلا أنه يمكن للتقنيين من ذوي الخبرة، الاستفادة من هذه المعلومات ولو على قلّتها. وفي حال عدم توافر أي من هذه الملفات، يحاول التقني إجراء مقارنات بين الأجهزة المعطلة وتلك السليمة، أو الاستفادة من معلومات خاصة بأجهزة لشركات أخرى مشابهة لتصميم الأولى، ويمكن لخبراء الصيانة القيام بعملية هندسة عكسية لبعض الدوائر الإلكترونية المستخدمة في هذه الأجهزة، وهذا يتطلب جهداً ووقتاً كبيراً. بعبارة أوضح، الشركات قامت بتعقيد مهمة الصيانة.

برأيك، ما هي الانعكاسات السلبية لعدم وجود أفرع لشركات التكنولوجيا في بلادنا على عملية التصليح؟
في الدول التي تتواجد فيها الشركات المصنّعة، يحصل المستهلك على خدمة صيانة وتكفل له الشركة ضمان أعطال الأجهزة. لكن في لبنان، وسائر الدول المستهلكة حيث لا تتواجد أفرع أو مكاتب لهذه الشركات، فإنه لا ضمان فعلياً حقيقياً أو تعويضاً على ما تعطّل خلال فترة الضمان. والأمر الإيجابي الوحيد هنا، هو قيام أفراد وشركات محلية بتأمين خدمة الصيانة. علماً أن بعض مكاتب الشركات الكبرى الموجودة، لا تتعامل مع الصيانة بالمستوى والجهد الذي يتوافر لدى المراكز المحلية، لأن كلّ ما تقوم به هو تبديل اللوحات الأم (Mother Board) للأجهزة وبعض الأعطال البسيطة، أما المراكز الأخرى تقوم بالصيانة على اللوحة من دون تبديلها ما يخفّض الكلفة على المستهلك.

هل تبيّن لك كيف انعكست الأزمة النقدية والمالية التي انفجرت في لبنان قبل بضعة سنوات، على وتيرة صيانة الأجهزة؟
صحيح أن الأزمة أثّرت سلباً على قطاعات عدّة، إلا أنه تبيّن أن مجال صيانة الأجهزة بمختلفها، انتعش. إذ أصبح الطلب على التصليح كبيراً بسبب غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى الغالبية. وهذا الأمر انعكس أيضاً على مبيع قطع الغيار الجديدة والمستعملة وأجهزة الصيانة. والكفاءات اللبنانية في مجال الصيانة موجودة ويمكن تطويرها أكثر إن توافر لها التدريب المناسب والمعدات بأسعار معقولة.

* مدرِّب ومالك معهد تدريب في عدّة مجالات لصيانة الإلكترونيات (الخلوي، إنفرتر الطاقة الشمسية، الحواسيب المحمولة، وأجهزة التلفاز الحديثة)