نصّ قانون النقد والتسليف الذي صدر عام 1963، على أن الوحدة النقدية للجمهورية اللبنانية هي الليرة اللبنانية، وحدّد قيمتها بالذهب الخالص. كما نصّ أيضاً على أن إصدار النقد، هو امتياز للدولة دون سواها، على أنه يمكن الدولة أن تمنح هذا الامتياز لمصرف مركزي تنشئه. وبالفعل، فإنه بموجب هذا القانون أُنشئ المصرف المركزي كشخص معنوي من القانون العام على أن يتمتع بالاستقلال المالي، كما يعدّ تاجراً في علاقاته مع الغير، فيما يجري عملياته وتنظم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي. كذلك، قضى القانون بأن للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها ليرة واحدة وما فوق، قوّة إبرائيّة غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية.بحسب أحكام المادة 229 من قانون النقد والتسليف، فإنه ريثما يُحدّد بالذهب سعر جديد لليرة اللبنانية، وبالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وريثما يثبت هذا السعر بموجب قانون، يتّخذ وزير المالية الإجراءات الانتقالية التي تدخل حيّز التنفيذ بالتواريخ التي سيحدّدها. وبتاريخ 30/12/1964، وبموجب القرار رقم 4800 تاريخ 30/12/1964، حدّد وزير المالية السعر الانتقالي القانوني لليرة اللبنانية نسبة للدولار الأميركي، بمعدل ثلاث ليرات لبنانية وثمانية قروش، على أن تُحدّد أسعار العملات الأجنبية بالعملة اللبنانية من أجل استيفاء الضرائب والرسوم على أساس السعر الانتقالي القانوني المذكور بعد تحويل هذه العملات إلى دولارات أميركية على أساس معادلاتها بالذهب المعلن عنها لصندوق النقد الدولي. عُمل بهذا القرار اعتباراً من أول كانون الثاني عام 1965. وبعدما جرى خفض قيمة الدولار الأميركي نسبة إلى الذهب، أحالت الحكومة على المجلس النيابي بموجب المرسوم رقم 4919 تاريخ 22/2/1973، مشروع قانون معجّل يخوّلها صلاحية تحديد سعر انتقالي جديد لليرة اللبنانية. وأشارت وزارة المالية في كتاب عرضته على مجلس الوزراء إلى أنه لا يسع الحكومة تحديد هذا السعر الانتقالي القانوني الجديد قبل صدور القانون المشار إليه، وأن الضرائب والرسوم التي تُستوفى عن المبالغ المحرّرة بالعملات الأجنبية ما زالت تُستوفى على أساس السعر الانتقالي القانوني المحدّد منذ عام 1965 بـ308 قروش لبنانية لكل دولار أميركي، وبالتالي على أساس سعر تحويل سائر العملات الأجنبية بالنسبة إلى معدلاتها مع الدولار الأميركي على أساس هذا السعر الانتقالي للدولار. حينها أشارت وزارة المالية إلى أن العملات الأجنبية التي تستوفيها الدولة ما زالت تدخل في حساباتها بالسعر الانتقالي القانوني البالغ 308 قروش، وأضافت بأن موجودات مصرف لبنان من الذهب والعملات الأجنبية ما زالت تقيّد على أساس السعر الانتقالي القانوني ذاته. وأفادت الوزارة بأن سعر الذهب قد ارتفع بالنسبة إلى الدولار الأميركي كما طرأ على العملات الأجنبية تعديلات ملموسة في قيمتها نسبة إلى الدولار الأميركي، وكان آخرها التعديلات التي حصلت اعتباراً من 13 شباط و19 آذار 1973. وبالتالي فإن الاستمرار في استيفاء الضرائب والرسوم، وفي قيد العملات الأجنبية التي تستوفيها الدولة، وفي قيد موجودات مصرف لبنان من الذهب والعملات الأجنبية، على أساس السعر الانتقالي القديم، من شأنه أن يجعل هذه العمليات تتم على أسس لم تعد واقعية. لذا، وتصحيحاً لهذا الوضع، واعتماداً للأسعار الواقعية للعملات الأجنبية، فإن وزارة المالية رفعت الأمر إلى مجلس الوزراء مقترحة اتخاذ التدابير الآتية:
- أولاً: وجوب اعتماد سعر جديد للذهب نسبة إلى الدولار الأميركي. ووجوب اعتماد المعدلات الواقعية للعملات الأجنبية نسبة إلى الليرة اللبنانية لغاية استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الأجنبية، ولغاية قيد العملات الأجنبية التي تستوفيها الدولة، ولغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.
- ثانياً: تكليف وزير المالية وضع القواعد المناسبة، وأخذ التدابير اللازمة لتنفيذ القرار أعلاه، وذلك بالاتفاق مع مصرف لبنان.
- ثالثاً: اعتماد مشروع قانون معجّل لتسوية هذا الأمر وإحالته على المجلس النيابي.
وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 21/3/1973، وبموجب القرار رقم 11/1 على التدابير المقترحة وتكلّف وزير المالية إجراء المقتضى. وبتاريخ 5/10/1973 صدر المرسوم رقم 6104 بوضع مشروع القانون المبين أعلاه موضع التنفيذ، وقضى بتصديق الإجراءات المتّخذة من قبل الحكومة بموجب القرار 11/1 تاريخ 21 /3/1973. كما أنه بتاريخ 5/10/1973، صدر المرسوم 6105 وقضى بوضع موضوع التنفيذ مشروع القانون الرامي إلى إعطاء الحكومة صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني جديد لليرة اللبنانية بناء على اقتراح وزير المالية وبعد موافقة مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 19/9/1973، التالي نصه:
- ريثما يصبح بالإمكان تطبيق أحكام المادة الثامنة من قانون النقد والتسليف، تُعطى الحكومة لمدّة ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون، صلاحية تحديد «سعر انتقالي قانوني» جديد لليرة اللبنانية بعد استشارة مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي.
- تُحسب على أساس «السعر الانتقالي القانوني»، الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الأجنبية، والتي تُحسب حالياً على «أساس السعر الانتقالي القانوني».
ويعاد تقويم عناصر الذهب والعملات الأجنبية الواردة في ميزانية مصرف لبنان على أساس «السعر الانتقالي القانوني» الجديد، وتخضع لأحكام المادة 115 من قانون النقد والتسليف الفروقات التي قد تنتج عن هذه العملية. وتُحتسب العملات الأجنبية التي تستوفيها الدولة على أساس السعر الانتقالي الجديد، ويستمر تحويل نفقات الدولة الخارجية بسعر السوق الحرّة. وللحكومة أن تفوّض إلى وزير المالية الصلاحيات المعطاة لها بموجب هذا القانون.
استناداً إلى كل ما تقدم، وإلى أحكام قانون النقد والتسليف الذي لم يتضمن أي نص، صريحاً كان أو ضمنياً، يُمنح حاكم مصرف لبنان صلاحية تحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، في حين أن صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني جديد للعملة الوطنية محصور بالسلطة التشريعية التي لها حقّ تفويض هذه الصلاحية إلى وزير المالية أو إلى الحكومة كما حدث في العامين 1963 و1973. وعليه يكون قرار أو تدبير حاكم مصرف لبنان القاضي بتحديد سعر صرف 15000 ليرة، كأساس لتقييم ميزانيته في 15/2/2023 ولا سيما موجوداته من الذهب والعملات الأجنبية مشوباً بعيب المخالفة القانونية ويعدّ بالتالي باطلاً مع بطلان ما ترتب عليه.
لا بدّ من تدخّل السلطة السياسية بمؤسّساتها الدستورية لتحديد سعر صرف جديد


إن لبنان يعيش الآن حالة الانهيار الشامل النقدي والمالي والاقتصادي والمعيشي، ولأول مرّة في لبنان تتعدّد أسعار صرف العملة الوطنية. صحيح أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار انهار مرّات عدّة منذ عام 1983 حتى عام 1992، إنما بقي سعر الصرف واحداً، وبقي مصرف لبنان يعلن سعر صرف الافتتاح والإقفال يومياً وشهرياً، وتم اعتماده بموجب قرار عن وزير المالية. لكن بالنسبة إلى سعر الصرف الذي وصل إلى حدود 3000 ليرة لكل دولار في نهاية عام 1992، فإن السلطة السياسية بادرت إلى معالجة الموضوع بالاتفاق مع مصرف لبنان وخفض سعر صرف الدولار تدريجياً إلى أن تمّ تثبيته على سعر صرف 1507.5 ليرة وفقاً لآليات السوق الحرّة وبتدخّل من مصرف لبنان ووزارة المالية، ولم يجر تحديد سعر صرف من قبل أي مرجع مالي أو نقدي أو سياسي.
أما الآن فأسعار الصرف متعدّدة ومنهارة وقد تسبّبت في انهيار اقتصادي ومالي ومعيشي وانفلاش التضخم في الأسعار في جميع القطاعات، وكل ذلك أدّى إلى الإفلاس وعجز الدولة عن سداد ديونها وانهيار النظام المصرفي. لذا، لا بدّ من تدخّل السلطة السياسية بمؤسّساتها الدستورية؛ الحكومة ومجلس النواب، لتحديد سعر صرف جديد يكون أساساً في تحديد مركز الدولة المالي وفي جباية الضرائب والرسوم وفي تقييم موجودات ومطلوبات المصرف المركزي كما حدث عامي 1964 و1973.

* مدير المحاسبة العامة السابق في وزارة المالية، النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان، عضو مؤسس في المنتدى الاقتصادي الاجتماعي