يسيطر النقص في أشباه الموصلات على النشاط الصناعي حول العالم. أزمة بدأت مع تفشي وباء كورونا، واستعرت مع الحرب الروسية - الأوكرانية، ثم تكاد أن تصبح كارثة صناعية في ظل التوتّر في هونغ كونغ، حيث يوجد في أكثر من مصنع أشباه للموصلات في العالم. حتى الآن، وحوش صناعة السيارات حول العالم يلتفّون على هذه الأزمة من خلال سحب أشباه الموصلات من الغسالات وإعادة برمجتها لتصبح جاهزة للتشغيل في السيارات. لكن استمرار الأزمة لا يعني فحسب ارتفاعاً في أسعار هذه الشرائح، بل يترجم عملياً بخسائر فادحة للشركات الصناعية الكبرى.تستخدم أشباه الموصلات في صناعة الهواتف الذكيّة، أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، مراكز البيانات، الأجهزة المنزلية، الأجهزة اللوحية، الأجهزة الذكية، السيارات، الأجهزة الطبية، أجهزة الصراف الآلي، المعدات الزراعية والمعدات الحربية... وهذه مجرّد عيّنة عن الصناعات التي تدخل فيها أشباه الموصلات أو شرائح السيليكون. في السنة الماضية، بلغت قيمة سوق هذه الشرائح نحو نصف تريليون دولار تستحوذ هونغ كونغ على أكبر حصّة فيها بصادرات قيمتها 118 مليار دولار. لكن توريد الشرائح لم يعد سهلاً كما كان في السابق، إذ إن مستقبل هذه الصناعة تحوم حوله ضبابية سياسية ربطاً بما يحصل بين الصين وهونغ كونغ. وهذا يضاف إلى المشاكل السابقة التي أرسيت بفعل وباء كورونا والحرب في أوكرانيا.
يقول جون دينغ، كبير المفاوضين التجاريين لحكومة تايبه، إن أي هجوم عسكري صيني على تايوان (تقول الحكومة الصينية إنها تريد إعادة توحيد سلمية) سيؤدي إلى تعميق مشكلة سلاسل توريد أشباه الموصلات، ولا سيما أن العالم يعتمد على تايوان في الرقائق الإلكترونية المستخدمة في السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة: «أيّ عرقلة لسلاسل التوريد الدولية وللنظام الاقتصادي الدولي ولفرص النمو، ستكون أكبر بكثير بسبب النقص العالمي في الكميات المعروضة في السوق» بحسب ما ورد في مقابلة مع «رويترز».
على أي حال، تسبب النقص العالمي في أشباه الموصلات بخسائر فادحة في صناعة السيارات بلغت أكثر من 200 مليار دولار في 2021. وفي السنة التالية، عمدت بعض الشركات إلى إجراءات احترازية. بعضها علّق جزءاً من خطوط الإنتاج مثل شركة «فورد» التي ركّزت قدرتها الإنتاجية على تجميع الشاحنات التي تحقق هامش ربح أفضل. أما البعض الآخر، فيحاول التكيف مع الأزمة بطرق مختلفة؛ يستخدم صانعو السيارات أشباه موصلات مأخوذة من الغسالات، ويعيدون كتابة التعليمات البرمجية كي تؤدي مهامها في السيارات. حتى إن بعض الشركات تشحن سياراتها من دون بعض الرقائق، مع وعود بإضافتها لاحقاً.
في ظل كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية والتوتّر السياسي في هونغ كونغ، سجّلت سوق السيارات الأوروبية أسوأ خمسة أشهر في تاريخها (باستثناء عام 2020) مع بيع 3,7 ملايين سيارة فقط. ورغم هذا التراجع في المبيعات، إلا أن صانعي السيارات حققوا أرباحاً في الربع الأول من عام 2022 بسبب ارتفاع الأسعار. ومنذ ربيع 2021، تواجه سوق السيارات في أوروبا وأميركا سلسلة من العوائق اللوجستية، منها النقص في أشباه الموصلات. وما إن بدأت تستقر إمدادات الشرائح اعتباراً من مطلع العام الحالي، توقعت رابطة المصنعين الأوروبيين للسيارات انتعاشاً في سوق مبيع السيارات في النصف الثاني من 2022، إنما خابت هذه التوقعات على وقع الحرب في أوكرانيا.
وتراجعت مبيعات «فولكسفاغن» بـ 19,6% في أيار على أساس سنوي مع انخفاض حاد بمبيعات علامتها التجارية الرئيسية «فولكسفاغن» وعلاماتها الأخرى «سكودا» و«أودي» و«سيات». كذلك، تراجعت مبيعات شركة «ستيلانتيس» بنسبة 14,6%، مع تراجع مهمّ في بيع علامات «سيتروين» و«فيات» و«بيجو».
إن أي هجوم عسكري صيني على تايوان سيؤدي إلى تعميق مشكلة سلاسل توريد أشباه الموصلات


أهمية أشباه الموصلات بالنسبة إلى الصناعات العالمية، تظهر من خلال كلام الشريك الأول في شركة «ماكينزي» بيل وايزمان: «هناك يأس في السوق. إذا كنت تبني جهاز مقياس طيفي جماعي بقيمة 350 ألف دولار، ولا يمكنك شحنه لأنك لا تملك شريحة سعرها 50 سنتاً، فأنت على استعداد لفعل أي شيء». وفي بعض الحالات، هذا يعني اتخاذ تدابير يائسة. في الشهر الماضي، كشف بيتر وينين، الرئيس التنفيذي لشركة «ASML» الهولندية، التي تصنع الآلات المعقّدة اللازمة لصنع رقائق الكمبيوتر المتطورة، أن إحدى الشركات الكبرى لجأت إلى شراء غسالات ونقل الرقائق بداخلها إلى سياراتها.
واتخذت شركات صناعة السيارات نزع مميزات بدلاً من إغلاق خطوط الإنتاج. في أيلول من العام الماضي، قالت «كاديلاك» إنها ستزيل ميزة القيادة بدون استخدام اليدين من بعض السيارات. وفي تشرين الثاني، بدأت «تيسلا» بيع سيارات بدون منافذ «USB». وفي شهر أيار من هذا العام، قالت شركة «فورد» إنها ستشحن بعض الطرز بدون رقائق لميزات غير حرجة مثل أدوات التحكم في التدفئة، وستطلب من التجار إضافتها في وقت لاحق.