في بحثين سابقين جرى تعريف الأزمة المالية التي ضربت لبنان منذ أيلول 2019 باعتبارها «أزمة توأم»، أي أزمة مصرفية وأزمة سعر صرف للعملة الوطنية (داغر، الأخبار، 6/ 10/2021؛ 26/11/2021). جرى الربط في البحث الأول بين تقرير بعثة صندوق النقد الدولي عن لبنان الصادر في شباط 2018 والذي أكّد عدم إمكان الاستمرار في تثبيت سعر صرف الليرة، وبين موجة هروب الودائع التي بدأت في خريف ذلك العام واستمرت طوال 2019. أدّى ذلك إلى خلق أزمة سيولة بالعملات الأجنبية انعكست في توقف المصارف عن تمويل الاستيراد في أيلول 2019. وفي البحث الثاني جرى التركيز على دور المصرف المركزي في إنقاذ المصارف بالامتناع عن إعلان إفلاس أي منها وإعطائها الوقت لمعالجة خسائرها. وهو عمد إلى خلق النقد بشكل كثيف لكي تتخلّص المصارف من ودائعها بالدولار من خلال تحويلها إلى ليرة. أمّن ذلك أحد شروط نشوء حالة تضخّم مفرط. وبدءاً من حزيران 2021، توقّف المصرف المركزي عن تمويل مشتريات المحروقات على سعر الصرف المثبّت القديم. وشرّع ذلك ارتفاعاً في الأسعار وأزمة محروقات حوّلتا البلاد إلى جحيم. يستعيد هذا البحث وقائع التجويع الذي فُرض على اللبنانيين وكيفية تعاطي المؤسسات الدستورية وخصوصاً الحكومة مع هذا الواقع. ويقترح مقاربة تقوم أولاً على تثبيت سعر الصرف بما يُعيد للبنانيين حقّهم بحياة كريمة، وثانياً على إعطاء الدولة دوراً جديداً. وذلك من خلال الشروع في «برنامج حكومي للاستثمار» يجعل منها «المستثمر الأول» ويكون بداية الطريق إلى مستقبل زاهر للبنان



1. وقائع التجويع
الناتج الوطني
كان البنك الدولي قدّر أنّ الناتج الوطني سوف ينخفض بنسبة 20% خلال 2020 وبنسبة 10% إضافية خلال 2021 (الأخبار، 25/10/2021). وفي وقت لاحق جرى تقدير الانخفاض بحيث أنّ الناتج انتقل من 51 مليار دولار عام 2019 إلى 33 مليار دولار عام 2020 و20.5 مليار دولار عام 2021 (الأخبار، 6/12/2021). لكن الصندوق في مناقشاته مع الفريق اللبناني المكلّف بإعداد خطة التعافي، قدّر حجم الناتج خلال 2021 بين 15 مليار دولار و17 مليار دولار (الأخبار، 7/3/2022). أي تقلّص الناتج بنسبة 71% بين عامَي 2019 و2021.
ولا تُضاف تحويلات العاملين في الخارج كما هي عند احتساب الناتج. فهذا الأخير هو مجموع المداخيل الناتجة عن النشاط الداخلي. وهذه التحويلات بلغت 7.5 مليار دولار عام 2019 و6.9 مليار دولار عام 2020 و6.6 مليار دولار عام 2021 بحسب البنك الدولي (الأخبار، 6/12/2021). وكان القطاع العقاري هو الوحيد الذي شهد نشاطاً محموماً خلال 2020. وبلغت عمليات البيع والشراء 82 ألف عملية بقيمة 15 مليار دولار. وعادت هذه العمليات إلى التباطؤ بعد الفصل الأول من 2021 (نداء الوطن، 21/3/2022).

التضخّم
وحتى نهاية أيلول 2021، كان مؤشر أسعار الاستهلاك قد ارتفع بنسبة 473% مقارنة بأول عام 2019، أي خمس مرّات. وارتفعت أسعار المواد الغذائية 18 مرّة مقارنة بذلك التاريخ (الأخبار، 25/10/2021). وارتفع المؤشر مجدداً إلى 637% في آخر تشرين الثاني، مع ارتفاع لمؤشر المواد الغذائية بنسبة 2326%، أو 23 مرّة (الأخبار، 17/1/2022). وفي نهاية آذار 2022، كان تضخّم الأسعار قد بلغ رقماً قياسياً جديداً هو 796%، أي ارتفع ثماني مرات، وزادت أسعار المواد الغذائية بنسبة 2969%، أو 29 مرّة مقارنة بما كانت عليه في أول عام 2019 (الأخبار، 6/4/2022).
أما أسعار المازوت فقد ارتفعت من 18800 ليرة في حزيران 2019 إلى 425000 ليرة في آذار 2022، أي 22 ضعفاً، وارتفعت أسعار البنزين من 26500 ليرة إلى 417000 ليرة بين هذين التاريخين، أي 16 ضعفاً (الأخبار، 28/3/2022). وفي نهاية شهر نيسان 2022 كان سعر الكهرباء من المولدات الخاصة قد ارتفع إلى 10457 ليرة للكيلواط بعدما كان 687 ليرة. في مطلع عام 2021. أي أنه تضاعف 15 مرّة.
وبدت حكومة الرئيس ميقاتي التي شُكلت في 10 أيلول 2021 وكأنها أعطت أولوية لتحقيق أهداف أربعة قبل الوصول إلى الانتخابات النيابية في أيار 2022، وهي: ضبط سعر صرف الليرة، رفع مستوى التغذية بالكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان، إنجاز موازنة 2022 الحكومية، وإنجاز «خطة تعافٍ» تشمل توزيع خسائر القطاع المصرفي وإعادة هيكلة هذا القطاع، مع التعويل على أن يوفّر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي استعادة لعلاقات لبنان الطبيعية مع الخارج.





سعر الصرف
ومع تشكيل الحكومة الجديدة انخفض سعر صرف الليرة من 19000 ل.ل/د إلى 14000 ل.ل/د في منتصف أيلول. لكنه ارتفع مجدداً بقيمة 7000 ل.ل./د خلال شهر واحد. وعزى المراقبون ذلك إلى ازدياد الطلب على الدولار لشراء المازوت بعد رفع الدعم نهائياً عنه. وفي نهاية شهر تشرين الثاني كان قد بلغ 24000 ل.ل./د. وارتفع مجدداً في مطلع كانون الأول. الأمر الذي دفع مصرف لبنان إلى إصدار بيان ألقى فيه مسؤولية الارتفاع على تطبيقات الهواتف «المشبوهة وغير القانونية» (وهبه، الأخبار، 28/3/2022). واتهمت مواقع التواصل منصّات متمركزة في الخارج وأحدها في السفارة الأميركية في العراق بالوقوف وراء هذه الارتفاعات (الخنادق، 3/12/2021).

بالأرقام

100 ألف
هو عدد المهاجرين من أول عام 2021 إلى أيار منه علماً بأن 47 ألف شخص قد غادروا خلال بي شهرَي حزيران – أيلول 2021
10%
هي نسبة التعويض من فقدان القدرة الشرائية التي حصل عليها القطاع العام عبر ما سمّي «مساعدة اجتماعية»
27000 ليرة
هي قيمة سعر صرف الدولار مقابل الليرة في نهاية الأسبوع الماضي مقارنة مع 22700 ليرة على منصّة «صيرفة»


وسوف تكون عطلة نهاية السنة مناسبة انهيار غير مسبوق في سعر الصرف، والذي اعتُبِرت تطبيقات الهواتف الذكية مسؤولة عنه (الشدياق، أساس ميديا، 6/1/2022). وسيبلغ سعر الدولار أعلى مستوى له وهو 34000 ل.ل./د في 11 كانون الثاني. وسيؤدي ذلك إلى حالة احتقان شديدة. وستكون تلك مناسبة لتعزيز دور منصة «صيرفة» التي أنشأها مصرف لبنان لبيع وشراء الدولار على السعر الذي يحدّده هو. وستصبح المنصة أكثر قدرة على التحكّم بالعرض والطلب على الدولار لضبط تقلبات سعره.
وكان المصرف المركزي قد رأى أنه يمكن التحكّم بسعر الدولار من خلال ضبط الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق. وأصدر التعميم رقم (161) الذي سمح بموجبه للمصارف بالحصول على كوتا من الدولارات الورقية يمكنها بيعها للجمهور مقابل الليرات الورقية التي يحملها هذا الأخير. ومع الانهيار الشديد لسعر الصرف، أُلغي سقف الكوتا للمصارف، الأمر الذي سمح لها ببيع المزيد من الدولارات للزبائن وسحب المزيد من السيولة بالليرة من السوق. وهي التي اعتُبِرت كما سبق القول، سبب تدهور سعر الصرف. واستطاع المصرف المركزي خفض سعر الدولار من 34000 ليرة خلال شهر كانون الثاني إلى 21500 ليرة في مطلع شباط. وقد بدا أنّ الحفاظ على سعر صرف يساوي 20000 ل.ل./د، هو ما تم التوافق عليه بين الحكومة وبين المصرف المركزي. وهو نفسه الذي اعتمد لإعداد موازنة 2022.

سياسة الموازنة
وأقر مجلس الوزراء مشروع موازنة 2022 بتاريخ 10 شباط. وتوزّعت المبالغ على أساس 1748 مليار ليرة للرواتب والأجور، و7676 مليار ليرة كفوائد على الدين العام، منها 4500 مليار للمصارف و2000 مليار لمصرف لبنان (وزارة المالية، 2022). أي أنّ الإنفاق على فوائد الدين العام مثّل أكثر من أربعة أضعاف حصّة الرواتب في الموازنة. وحصلت مؤسسة كهرباء لبنان على سلفة خزينة تساوي 5250 ألف مليار ليرة لكنها لا تكفي لتشغيل المعامل أكثر من شهرين. أما الإنفاق الاستثماري فخُصّص له 2212 مليار ليرة أي ما نسبته 4.7% من إنفاق الموازنة. أي أن الإنفاق المخصّص للخدمات العامة كانت له أهمية ثانوية مقارنة بالأولوية المعطاة لتسديد الفوائد للمصارف.
وجرى رفع موازنة المطبوعات والقرطاسية في الإدارات العامة عشرة أضعاف وموازنة المحروقات 23 مرّة. واستثنيت الجامعة اللبنانية من هذه التعديلات. وبقيت موازنتها كما كانت في 2019، وبحيث أضحت تعادل 10 ملايين دولار بعدما كانت تساوي 176 مليون دولار. أما المبالغ المخصّصة للمحروقات في هذه الموازنة فأصبحت تكفي شهراً واحداً لـ 70 فرعاً في الجامعة (الحاج، الأخبار، 17/3/2022).
وبرز في كيفية إعداد الموازنة همّ الحفاظ على التوازن بين الإيرادات والمصروفات. وطالت الزيادات الضريبية على القيمة المضافة والرسوم الإدارية التي ارتفعت بنسبة 300%، والضريبة على الأملاك المبنية التي زادت بقيمة 217% (وهبه، الأخبار، 21/1/2022). وأخذ موضوع الدولار الجمركي، أي اعتماد سعر صرف الليرة في السوق السوداء لتحديد قيمة الرسوم الجمركية على المستوردات، وقتاً كموضوع نقاش. وتمّ وضعه جانباً لضآلة المبالغ التي ستنجم عنه، ولأن الخشية من تأثيره الكبير على الأسعار في الداخل غلبت عند الجميع (قزي، الأخبار، 31/12/2021).
ولم يُطرح تصحيح الأجور رسمياً من قبل الدولة إلا بعد مرور سنتين على اندلاع الأزمة المالية، أي في أيلول 2021. وذلك بصيغة «مساعدة اجتماعية» لموظفي القطاعَين العام والخاص. وهي لا تؤخذ في الحسبان عند احتساب الأجر الذي يحدّد تعويض نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي. وحُدّدت قيمة المساعدة بـ50% من الراتب في القطاع العام، ولو أن ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك بلغ في حينه 500%. أي أنها عوّضت فقط 10% من انهيار القدرة الشرائية. وقد حصل المعنيّون على هذه الزيادة عن شهرَي أيلول وتشرين الأول.
لكن هذه الصيغة أظهرت تفلّتاً لدى الحكومة والمسؤولين من أي التزام بتصحيح الأجور ولو بهذا الحد الأدنى. فقد «طنّشت» حكومة الرئيس ميقاتي عن دفع الزيادة على المرتبات عن شهرَي تشرين الثاني وكانون الأول 2021. ثم قرّر مجلس الوزراء إعطاء منحة لموظفي القطاع العام تساوي نصف راتب إلى حين إقرار موازنة 2022 التي حدّدت زيادة الأجور لهؤلاء الموظفين بنسبة 100%. ونُشر مرسوم المساعدة الاجتماعية في الجريدة الرسمية بتاريخ 3/3/2022 (الأخبار، 6/4/2022). وتناست الحكومة مجدّداً دفع الزيادة المقرّرة عن شهر آذار 2022. واضطر الاتحاد العمالي العام لتشكيل وفد زار رئيس الحكومة لتذكيره بالأمر (النشرة، 19/4/2022). وتبيّن أن الحكومة امتنعت عن دفع «المساعدة الاجتماعية» لموظفي القطاع العام لكي لا تزداد السيولة بالليرة وتُسهم في رفع سعر الدولار (الحاج حسن، المدن، 29/4/2022). وقد برّرت هذه الحجة حرمان 300 ألف عائلة من مبالغ قد تساعدها على مغالبة أوضاعها حتى نهاية كل شهر.

الكهرباء
وكانت حكومة الرئيس ميقاتي قد وعدت بتوفير 12 ساعة كهرباء في اليوم قبل نهاية 2021 من مؤسسة كهرباء لبنان (الأخبار، 27/10/2021). لكن وزير الطاقة قدّم تقريراً في مطلع شباط بيّن أن الوصول إلى 16 ساعة تغذية يتطلّب سنتين، وتأمين 24 ساعة يقتضي ثلاث سنوات (وهبه، الأخبار، 16/2/2022). وتعرقل الإمداد بالغاز من مصر وبالكهرباء من الأردن لأن الولايات المتحدة لم توفّر للطرفين إعفاءات خطية من عقوبات «قانون قيصر». ولم يوفر البنك الدولي المبالغ التي تتيح شراء الغاز المصري. وهو كان قد وضع شرطاً لتحرير هذه المبالغ هو رفع تعرفة كهرباء لبنان إلى 2000 ليرة للكيلوواط (الفرزلي، الأخبار، 25/9/2021).

تفاقم الشلل كأفق
ويرى الذاهب إلى عمله كل يوم، مؤسّسات إضافية على طريقه وقد أقفلت أبوابها. لا يدري أين ذهب أصحابها وماذا يفعلون. وبعد رفع الدعم عن أسعار المحروقات انقطع السير على الطرقات. وهي حالة مستمرّة منذ شهور. وأقفلت المؤسّسات التربوية الحكومية من مختلف المستويات لأن كلفة الانتقال إلى العمل باتت تتجاوز قيمة مرتبات العاملين فيها، ولأن هؤلاء لم يحصلوا على بدل النقل الذي وُعدوا به. والأمر نفسه بالنسبة للإدارات العامة التي أقفلت أو تفتح يوماً في الأسبوع لتعذّر انتقال العاملين فيها إلى عملهم. وقد ذكر المراقبون أنّ عدد المهاجرين من أول عام 2021 إلى أيار منه بلغ 100 الف، وأن 47 ألف شخص قد غادروا بين شهرَي حزيران – أيلول 2021 (Beirut Observer، 20/ 10/ 2021).

2. الانتظار القاتل لإعادة تعويم المصارف وموقف الصندوق
وكانت الحكومة قد عادت للتفاوض مع صندوق النقد بعد الانقطاع الذي حصل أيام حكومة الرئيس دياب وكان أحد أسبابه عدم الاتفاق داخلياً على أرقام موحدة لخسائر المصارف ومصرف لبنان. وقد رتّبت «خطة التعافي» التي قدّمتها حكومة الرئيس دياب مسؤولية على المصارف وعلى المصرف المركزي رفضا تحمّلها.

لا يمكن لأي برنامج ينفّذ مع الصندوق أن يقوم مقام برنامج وطني يهدف إلى بناء الإدارة العامة وبناء الاقتصاد المنتج


وتوصّل الفريق الحكومي برئاسة نائب رئيس الحكومة إلى صيغة ثانية لـ«خطة التعافي» التي كانت ستطرح للنقاش مع الصندوق. وهي عكست اتفاقاً داخلياً مع مصرف لبنان على قيمة خسائر القطاع. وهي 69 مليار دولار. واقترحت الخطة توزيعاً للخسائر من خلال تسديد قسم من الودائع بالدولار بما يقابلها بالليرة، وتمليك قسم آخر من المودعين أسهماً في المصارف، وعدم شطب أية مبالغ من الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار (رويترز، 2/2/2022). واعترض الصندوق على هذه الصيغة التي تتطلّب طبع 695 ألف مليار ليرة على مدى 15 سنة. وذلك انسجاماً مع موقفه المبدئي المعارض لخلق النقد. وكان اعتماده تعريفاً لعجز ميزان المدفوعات يحمّل القطاع الخاص أي المصارف المسؤولية الأولى في ما يخص عبء الخسائر مصدر خلاف آخر مع محاوريه الداخليين.

الاتفاق المبدئي مع الصندوق
وكان وفد الصندوق قد زار لبنان في الأسبوع الأول من كانون الأول 2021. ثم جرت مناقشات امتدت من 24 كانون الثاني إلى 11 شباط. وعاد وفد الصندوق في نهاية شهر آذار. وصدر في 7 نيسان بيانان منفصلان عن الحكومة والصندوق أعلنا فيهما التوصل إلى اتفاق مبدئي أو «اتفاق على مستوى الموظفين». وأظهرت «مذكرة التفاهم» التي أعدّتها الحكومة حصيلة النقاشات مع الصندوق (رئاسة الوزراء، 2022). وعكست الالتزام بمقاربة هذا الأخير لموضوع الإصلاح. وأول ذلك شطب الرساميل الخاصة للمصارف تمهيداً لإعادة هيكلتها. ويعني ذلك تحميل أصحاب المصارف تبعات إدارتهم للقطاع. وعرضت المذكرة عناصر جهد تشريعي شامل سيُصار لإطلاقه. وهو يتناول عمل مصرف لبنان والمالية العامة ورفع الضرائب والرسوم وهيكلة المؤسسات المملوكة من الدولة خصوصاً «كهرباء لبنان»، إلخ. ويمكن اختصار الشروط التي وضعها الصندوق ولا يمكن من دونها السير قدماً بالاتفاق بخمسة، وهي: التدقيق في حسابات مصرف لبنان، إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، موافقة البرلمان على قانون الموازنة، إجراء تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي (وهبه، الأخبار، 7/4/2022).

تعرقل الإمداد بالغاز من مصر وبالكهرباء من الأردن لأن الولايات المتحدة لم توفّر إعفاءات خطية من عقوبات «قانون قيصر»


وقد جرى تأجيل استكمال المفاوضات مع الصندوق إلى ما بعد الانتخابات النيابية. وبدت إمكانية الوصول إلى نتيجة في موضوع التدقيق في حسابات مصرف لبنان ممكنة مع ملاحقة القضاء الأوروبي والقضاء المحلي لحاكم مصرف لبنان بتهم «الإثراء غير المشروع». وهو ما جعل مسألة تنحّيه عن منصبه أمراً مفروغاً منه (الأخبار، 14/4/2022). وكان الصندوق قد أصرّ على إجراء تعديلات على مشاريع «الكابيتال كونترول» التي أعدّتها لجنتا المال والإدارة النيابيتان تجعل من هذا القانون وسيلة لممارسة الرقابة على القطع. ولم يهتم مشرعو هذه اللجان إلا بما يضمن مصالح المصارف ويجعلها قادرة على منع ملاحقتها في الداخل من قبل المودعين وفي الخارج من قبل الزبائن الذين يريدون استرداد ودائعهم. أما الصندوق فقد أراد جعل هذا القانون طريقة للرقابة على كل قرش يُنفق في مجال الاستيراد. وهي الطريقة الوحيدة لمنع التصرّف بالعملات الصعبة المتوفرة بما يفاقم عجز ميزان المدفوعات، ولضمان أن يسترد المبالغ التي يكون قد أقرضها للدولة. والأرجح هو تراجع المصرّين على حماية المصارف فحسب في المشاريع المعدّة محلياً، لأن ما تنشئه القوانين المحلية لا تكون له قيمة إذا تعارض مع التشريعات الدولية.
أما في ما يخص إعادة هيكلة المصارف، فقد ترجمت هذه الأخيرة امتعاضها من شطب رساميلها الخاصة المنصوص عنه في الاتفاق (رئاسة الوزراء، 2022: 4)، من خلال توجّهها إلى إقامة الدعاوى على الدولة وعلى مصرف لبنان، ولمنع هذا الأخير من التصرّف بالاحتياطي الإلزامي بالدولار الموجود لديه (وهبه، الأخبار، 9/5/2022).

برنامج الصندوق والنمو
هذا بالنسبة للموضوعات المطروحة للتفاوض. أما جدوى برامج الصندوق بالنسبة لإمكان استعادة النمو في لبنان فذلك أمر آخر. ولم يكن في خطة الرئيس دياب التي هي نسخة عن برامج «التصحيح الهيكلي» للصندوق أي مكان لبناء الإدارة العامة التدخلية ولإعطاء الدولة دوراً رئيسياً في الإنفاق على البنى التحتية وعلى إنتاج السلع التكنولوجية (داغر، الأخبار، 17/6/2020). والأمر كذلك بالنسبة للبرنامج الحالي كما ورد في «مذكرة التفاهم». وتخلو برامج الصندوق على مدى أربعة عقود من أية إشارة إلى مسألتَي بناء الإدارة العامة ووضع سياسة صناعية موضع التنفيذ. بكلام آخر، لا يمكن لأي برنامج ينفّذ مع الصندوق أن يقوم مقام برنامج وطني يهدف إلى بناء الإدارة العامة وبناء الاقتصاد المنتج.

* المراجع:
Chacholiades Miltiades, International Economics, McGraw-Hill, 1990.
Chang Ha-Joon and llene Grabel, “Exchange Rate and Currency Policies”, in Chang and Grabel, Reclaiming Development: An Alternative Economic Policy Manual, London and New York, Zed Books, 2004, pp. 164-179.
Hinnebusch R, “The Sectarian Surge in the Middle East and the Dynamics of the Regional States-System”, Tidsskrift for Islamforskning, 13 (1), pp. 35-61, 2019.
Hinnebusch Raymond, “The Middle East in the world hierarchy: imperialism and resistance”, in: Journal of International Relations and Development, vol 14, n. 2, 2011, pp. 213-246.

"12 ساعة تغذية قبل نهاية السنة"، الأخبار، 27/ 10/ 2021.
"796 % تضخم الأسعار منذ 2019"، الأخبار، 6/ 4/ 2022.
"التحقيقات تتوسّع في أوروبا"، الأخبار، 14/ 4/ 2022.
"المنصات المسؤولة عن التلاعب بسعر الصرف"، الخنادق، 3/ 12/ 2021.
"الموازنة تفجّر علاقة ميقاتي مع حزب الله"، الأخبار، 12/ 2/ 2022.
"الناتج يتقلص والسكان يصبحون أكثر فقراً"، الأخبار، 7/ 3/ 2022
"اليوم بدأت الأزمة... ومقبلون على كارثة"، Beirut Observer، 20/ 10/ 2021.
"تضخم الأسعار التراكمي"، الأخبار، 17/ 1/ 2022.
"تضخم مرتفع خلال سنتين وتسعة أشهر"، الاخبار، 25/ 10/ 2021.
"روسيا تتجاوز الصدمة"، الأخبار، 9/ 4/ 2022.
"مخاوف تحرير أسعار البنزين"، الأخبار، 28/ 3/ 2022.
"مساعدة اجتماعية مقابل غلاء المعيشة"، الأخبار، 6/ 4/ 2022.
"من يرفع سعر الدولار؟"، ليبانون ديبايت، 28/ 6/ 2021.
"نعمة التحويلات ونقمة الهجرة"، الأخبار، 6/ 12/ 2021
"هل يقصد الصندوق تعميم الغموض حول لبنان"، الاخبار، 25/ 10/ 2021.
ألبر داغر، " الأزمة المالية في لبنان كأزمة توأم"، الأخبار، 6/ 10/ 2021.
ألبر داغر، "الجحيم في لبنان خلال 2021"، الأخبار، 26/ 11/ 2021.
ألبر داغر، "برنامج اقتصادي برسم الحراك"، الأخبار - ملحق رأس المال - 9/ 12 / 2019.
ألبر داغر، "بيان من أجل برنامج سياسي وإداري بديل"، الأخبار، 13/ 5/ 2021.
ألبر داغر، "دولة الزبائنية السياسية النهّابة: نموذج لبنان"، الأخبار- ملحق رأس المال، 26 / 4 / 2021.
ألبر داغر، «البرنامج الحكومي للإصلاح»، الأخبار، 17/ 6/ 2020.
إيلي الفرزلي، "لا كهرباء للفقراء"، الأخبار، 25/ 9/ 2021.
إيلي الفرزلي، "وقائع اجتماع عمّان"، الأخبار، 10/ 9/ 2021.
الجمهورية اللبنانية - رئاسة الوزراء، "النص الكامل لمذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي"، الأخبار، 18 نيسان 2022، 15 صفحة.
الجمهورية اللبنانية - وزارة المالية، "تقرير حول مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022"، 38 صفحة، ٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٢.Lebanon/Budget%202022.pdf
خالد أبو شقرا، "أسعار الشقق تراجعت إلى النصف"، نداء الوطن، 21/ 3/ 2022
خالد قباني، "نظام الحكم في لبنان: ديمقراطية تنافس أم توافق؟ دراسة تحليلية"، الفصل الثامن (569 - 655)، في: مجموعة مؤلفين، لبنان، دراسات في المجتمع والاقتصاد والثقافة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2021، 736 صفحة، اشراف خالد زيادة.
طارق عبود، "أكثريات لبنان الوهمية .. معارضات لبنان الرملية"، post 180، 15/ 3/ 2021.
عزة الحاج حسن، "ميقاتي بالعمرة والدولة بالجحيم: القطاع العام يتوقف عن العمل"، المدن، 29/ 4/ 2022.
عماد الشدياق، "لماذا ترفع المصارف سعر الدولار"، أساس ميديا، 6/ 1/ 2022.
فاتن الحاج، "بسام بدران: وضع الجامعة لم يعد يحتمل"، الأخبار، 17/ 3/ 2022.
ليا قزي، "سلامه يقترح سعرين رسميين للدولار"، الأخبار، 31/ 12/ 2021.
مايكل هدسون، "الامبراطورية الأميركية تدمّر ذاتياً"، الأخبار، 28/ 3/ 2022.
محمد وهبه" "المتلاعبون بسعر الصرف .."، الأخبار، 30/ 11/ 2021.
محمد وهبه، "الدولة ماشية عى العمياني"، الأخبار، 23/ 8/ 2021.
محمد وهبه، "المصارف تنوي الحجز على احتياطات الدولار"، الأخبار، 9/ 5/ 2022.
محمد وهبه، "الموازنة: سلخ القطاع العام..."، الأخبار، 21/ 1/ 2022.
محمد وهبه، "عناوين الاتفاق مع الصندوق"، الأخبار، 7/ 4/ 2022.
محمد وهبه، "ميقاتي بلا إنجازات"، الأخبار، 16/ 2/ 2022.
نجلة حمود، "حرائق عكار تفضح الدولة.."، الأخبار، 30/ 7/ 2021.
النشرة، 19/ 4/ 2022.
نقولا ناصيف، "من ميثاقية بري إلى ميثاقية حزب الله"، الأخبار، 12/ 4/ 2022.
هديل فرفور، "الهيئات الاقتصادية تهمّش لجنة المؤشر"، الأخبار، 4/ 11/ 2021.
وكالة رويترز، 2/ 2/ 2022.

* أستاذ جامعي