بين مطرقة قمم المناخ المتتالية وتداعياتها الضاغطة على سياسات الدول بهدف التخفيف من انبعاثاتها المتزايدة (من ثاني أوكسيد الكربون الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري)، وسندان الحاجة إلى تأمين الأمن الطاقوي واستدامة مصادره، يطوي عام 2018 صفحاته الأخيرة على ضوء تحوّلات كثيرة في مجال الطاقة. فعصر النفط أو ما سُمّي الذهب الأسود، كمصدرٍ وحيدٍ، لتأمين حاجات الدول واستدامة الطاقة فيها ولّى إلى غير رجعة، وعلى الرغم من بقائه أكبر وأهمّ مصدر من مصادر الطاقة للعقدين المقبلين، إلّا أنه سيصعب علينا رؤية أسعار خيالية للبرميل أو نشوب حروب على حقل نفط. في مقابل ذلك، يبرز نجم الطاقة المُتجدّدة، وخصوصاً الشمسية والهوائية منها، وتشير التوقّعات إلى أنهما سيشكّلان معاً نحو 50% من مجمل الكهرباء المُنتجة عام 2050.لقد شهد مجال الطاقة المُتجدّدة تقدّماً تكنولوجياً متسارعاً وانخفاضاً ملحوظاً في الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، وساهما في ربط كميّات كبيرة من طاقتَي الشمس والهواء على شبكات التوزيع والنقل. يبلغ حجم الطاقة المُتجددة المثبّتة عالمياً نحو 5700 غيغاواط، تحظى الطاقة الشّمسية بالنسبة الأعلى منها بنحو 10%، فيما لا تشكّل، للمفارقة، أكثر من 2 إلى 3% من مجمل الطاقة المُنتجة فقط. وسط هذا الفرق، تبرز أهمّية الحلول التي تعتمد على تخزين الطاقة (Energy Storage) خلال النهار، على شكل بطّاريات، لاستخدامها خلال الليل (نظراً إلى طبيعتها المتقطّعة)، ومساهمتها في ردم الهّوة بين ما هو مثبّت وما هو مُستخدم فعلاً والمحافظة على شبكة متوازنة وفعّالة.
حالياً، يتراوح سعر الكيلوواط ساعة من الطاقة الشمسية غير المُخزّنة بين 3.6 و4.6 سنتات للكيلوواط الواحد، علماً بأنه سجّل مستويات أدنى في بعض مناقصات البلدان المجاورة مثل الإمارات والسعودية ومصر والأردن، وصلت إلى أقلّ من 3 سنتات للكيلوواط/ ساعة، وهو ما يدلّ على أن هذه التقنية أثبتت فعاليتها الاقتصادية وبدأت تنافس معامل الغاز الطبيعي في كثير من الأحيان.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

وإذا ما أضفنا سعر التخزين إلى هذه الأرقام، والذي يتراوح راهناً بين 11 و14 سنتاً للكيلوواط/ ساعة، يصبح السعر الإجمالي للطاقة الشمسية المُخزّنة بين 15 و19 سنتاً للكيلوواط/ ساعة، ما يفقدها تنافسيتها من جديد. لذا، التحوّل الجوهري المُنتظر في 2019 والسنوات اللاحقة، هو أن يتمكّن السعر الإجمالي للطاقة الشمسية من منافسة سعر الغاز الطبيعي الذي يتراوح بين 4 و7.4 سنتات للكيلوواط/ ساعة، وهو أمر متوقّعٌ لاعتبارات عدّة نسرد أبرزها.
في الواقع، شهدت أسعار تخزين الطاقة المُتجدّدة انخفاضاً ملحوظاً، منذ عام 2010، بلغ 80%، نتيجة لعوامل عدّة، أبرزها ارتفاع نسبة الاستثمارات في هذه التقنيات بعد سطوع نجم السيّارات الكهربائية (Electrical Vehicles)، ما ساهم في التقدّم التكنولوجي السريع والوصول إلى أسعار تنافسيّة. ويُتوقّع أن تشهد هذه الأسعار انخفاضاً إضافياً بنحو 50%، مع حلول عام 2030، نظراً إلى ما نشهده اليوم من تغيّر في هيكليّة الأسواق، ونشوء نماذج اقتصادية وحوافز تمويلية تشجّع المضي في مشاريع تخزين الطاقة المُتجدّدة.
من جهة أخرى، تتّسم هذه المشاريع بطابع جيوسياسي، كونها تُسهم في تأمين الأمن الطاقوي الذي تطمح دول عدّة إلى تحقيقه، بحيث تُصبح مصادر تأمين الطاقة متنوّعة ومتاحة على الأمد البعيد وذات جدوى اقتصادية. إن الاعتماد على تخزين الطاقة المُتجدّدة في السنوات المقبلة سيؤمّن استمرارية التزوّد بالطاقة الكهربائية والحصول على شبكة مرنة ومستقرّة تتناسب مع حجم الطلب، فضلاً عن التنبّه لمخاطر الانقطاعات المُفاجئة والمُساهمة في تخفيف الانبعاثات بما يتلاءم وقمم المناخ.
يبلغ إجمالي طاقة بطاريات التخزين المثبّتة خلال عام 2017 نحو 1.9 غيغاواط، بارتفاع بنسبة 4.6% عن عام 2016، وتتصدّرها كوريا الجنوبية، فالولايات المتّحدة الأميركية واليابان. ووفق شبكة بلومبرغ للطاقة، سينمو قطاع التخزين بقدرة 942 غيغاواط أو ما يعادل 2857 غيغاواط/ ساعة بحلول عام 2040، وسيجذب استثمارات تقدّر بقيمة 1.2 تريليون دولار.

أمّا منطقة شرقي المتوسّط، فمن المتوقّع أن تكون ثاني أكبر سوق لمشاريع التخزين، بعد بلدان آسيا الجنوبية، نظراً إلى توافر عوامل محفزة، ومنها الطلب المتزايد على مشاريع الطاقة المُتجدّدة والتنافسيّة وتطوّر الأطر القانونية.
في عالم يتوق إلى الوصول إلى أكبر كمّية مُمكنة من الطاقة المُتجدّدة، تشكّل تقنيات التخزين جزءاً لا يتجزّأ من مستقبل قطاع الطاقة، وستؤدي دوراً بارزاً ومُحرّكاً أساسيّاً في التحوّل الطاقوي نحو عالم أكثر استدامة وأقل إنتاجاً للكربون. ويبقى تحدّي السعر، إذا انخفض كما هو متوقّع في السنوات المقبلة، مؤشّراً على قدرتنا على تأمين الكهرباء من طاقتَي الشمس والهواء حتى عند غياب أشعة الشمس وهبوب الرياح.

* باحث في مجال الطاقة ــــ معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت