بغداد | في تشرين الأول 2022، تفجّرت في العراق قضية «سرقة القرن» بعد الكشف عن تورّط مسؤولين وشخصيات متنفّذة ورجال أعمال يمتلكون خَمس شركات وهمية، في سرقة 2.5 مليار دولار بين أيلول 2021 وآب 2022، من «هيئة الأمانات الضريبية»، وذلك من خلال 247 صكّاً تمّ سحبها نقداً من حسابات تابعة لشركات ليس لها وجود على أرض الواقع. هذا الأمر أثار سخطاً شعبياً وسياسياً في العراق، حيث قامت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني بتتبّع خيوط صفقة الفساد تلك، وإلقاء القبض على شخصيات لها صلة بها، ومن بينها رجل الأعمال نور زهير، فضلاً عن استرداد جزء من الأموال المسروقة. ودائماً ما كان رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، يدافع عن شفافية حكومته ويُبعد تهم الفساد عنها، ويشير إلى أنها هي التي كشفت خفايا «سرقة القرن»، وفتحت تحقيقاً كاملاً فيها. لكن بعض القوى السياسية، لا سيما المنضوية في «الإطار التنسيقي»، تُوجّه اتّهامات مباشرة إليه بالتورّط في قضايا فساد ضخمة، من بينها سرقة الأموال الضريبية، وتطالب القضاء العراقي باستدعائه واستجوابه بشأن ملفّات الفساد.ووصف الكاظمي مذكّرات القبض بأنها «انتقائية» و«كيدية» و«استهداف سياسي»، وتدْخل ضمن محاولات تستّر مستمرّة على المجرمين الفعليين.
وكانت أوامر القبض والتحرّي جاءت بحقّ كلّ من مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، رائد جوحي، ومستشاره السياسي والإعلامي، مشرق عباس، ووزير المالية في حكومته، علي علاوي، وسكرتيره الشخصي، أحمد نجاتي، بالتوازي مع صدور قرار بحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة، استناداً إلى أحكام «المادة 184 - أ» من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وفقاً لبيان «لجنة النزاهة» النيابية.
وتصف نائب رئيس «لجنة النزاهة» والعضو في لجنة التحقيق في «سرقة القرن»، عالية ناصيف، لـ«الأخبار»، «مذكّرات إلقاء القبض بحق الشخصيات المتورّطة بسرقة الأموال الضريبية بأنها مهنية ودقيقة». وإذ تأسف «لورود أسماء بعض الشخصيات كوزير المالية وهو شخصية مترفة، ويمتلك من الأموال الكثير، ولديه شركات كبيرة، فلماذا يذهب إلى الفساد أو الاتفاق على شراكات مع سماسرة وسرّاق للمال؟»، فهي تستدرك بأن «المتّهم بريء حتى تَثبت إدانته. فجميع الشخصيات التي صدرت مذكّرات إلقاء قبض بحقها تستطيع الذهاب إلى المحكمة وإخلاء ساحتها من تهم كهذه في حال كانت بريئة». وتلفت ناصيف إلى أن «الشخصيات المتّهَمة لديها جنسيات ثانية، وأغلبها فرّ إلى خارج البلاد خوفاً من إلقاء القبض، والكاظمي أيضاً مشمول بالتهمة، لأنه كان على رأس هرم السلطة التنفيذية ويعرف كلّ مجريات صفقة القرن». وتشير إلى أنها ناقشت مع السوداني قانون استرداد الأموال وقانون الكسب غير المشروع، قائلةً: «لمسنا إرادة حقيقية لدى رئيس الحكومة في مواجهة الفساد وملاحقة المتورّطين في جميع مفاصل الدولة»، مضيفة «(أننا) سنعمل بالتعاون مع القضاء لإضافة مواد جديدة إلى قانون الاسترداد، ومنها ما يختصّ ببقاء السارقين داخل السجن والإنفاق عليهم يومياً بما معدّله 11 دولاراً لكلّ سجين»، متابعةً أن «الأَولى هو استرداد الأموال منهم، وبعدها يَثبت الحق العام على الشخص المرتكب لجريمة الفساد».
عالية ناصيف: الكاظمي أيضاً مشمول بالتهمة، لأنه كان على هرم السلطة التنفيذية


من جهته، يرى العضو السابق في جهاز مكافحة الفساد في مجلس الوزراء، سعيد ياسين، أن «الإجراءات ومذكّرات إلقاء القبض بحق الشخصيات الأربع، جاءت نتيجة التحقيقات القضائية»، محتملاً أن «تَصدر خلال الأيام المقبلة مذكّرات جديدة بحق آخرين». ويستبعد ياسين، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تَدخل مذكّرات القبض التي صدرت بحقّ المتّهَمين ضمن إطار الاستهداف السياسي وتصفية الحسابات»، معتبراً أن «بعض الشخصيات يريد توهين دور القضاء واتّهامه بأنه يخدم مصالح جهات سياسية محدّدة». أمّا بشأن قول الكاظمي إن أوامر القبض كانت «انتقائية» وفيها استهداف سياسي، فيردّ بأن «القضاء ليس جزءاً من اللعبة السياسية».
في المقابل، يشير النائب المستقلّ، حميد الشبلاوي، إلى أن ثمّة مطالبات في البرلمان بعرض نتائج التحقيق النهائية، والتي خلصت إليها «لجنة النزاهة» وفريقها المصغّر أمام الشعب العراقي، قائلاً، لـ«الأخبار»، إن «تقرير التحقيق يتضمّن جميع المتورّطين في سرقة القرن، بمن فيهم شخصيات وسياسيون كبار وبارزون. لكن دائماً ما تمتنع رئاسة البرلمان عن كشف التقرير وتضمينه في جدول الأعمال وفي جلسة علنية». ويعرب الشبلاوي عن أسفه لأن «أحداً لا يستطيع مواجهة الفساد، لأن الأخير محميّ من قِبل رؤوس وزعامات سياسية مشتركة في ملفّ سرقة القرن، على رغم امتلاكنا أدلّة كافية لفضح المتستّرين والمتورّطين في الفساد من الكتل السياسية، لكن المؤامرة على العراق كبيرة».
ويتّفق المحلّل السياسي، محسن التميمي، مع الشبلاوي، مشيراً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الفساد السياسي خطير، وللأسف الشديد كلّ رئيس حكومة يحاول الاستحواذ على خزينة الدولة خلال فترة حُكمه. والشخصيات المتورّطة في السرقة، والتي ذكرتها النزاهة، هي غيض من فيض، وإنما هناك دولة عميقة ابتلعت مقدّرات الشعب وأمواله من خلال الصفقات الوهمية». ويعتقد التميمي أن «ملف الفساد أصبح ملفّ تصفية حسابات بين الخصوم. فخلال فترة الحكومة السابقة، قام الكاظمي بضرب خصومه من خلال لجنة أبو رغيف وجهاز مكافحة الفساد. وأمّا اليوم، فتحاول حكومة الإطار ضرب الكاظمي من خلال القضاء وإغراقه بالتهم، وبخاصة في صفقة الأموال العامة لهيئة الضرائب».
من جانبه، يبيّن المختصّ في الشأن القانوني، حيّان الخياط، في حديث إلى «الأخبار»، أن «مذكّرات القبض لا تعني نهاية القضية أو أنه سيتمّ الحكم على المتّهَم، إذ تؤخذ إفادتهم، والتحقيق يستمرّ، والإدانة مبنيّة على الأدلّة المتوافرة. وهذا الأمر ينطبق على الكاظمي أيضاً في حال ثبُت تورّطه في الأمر».