بغداد | افتتح رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عهد حكومته الجديدة، على وعدٍ بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال عام، بعد تعديل قانون الانتخاب، في ما بدا مسعًى من قِبله لتهدئة «التيار الصدري»، الذي يظلّ احتمال تحرّكه في الشارع، على رغم التزامه الصمت إلى الآن، يمثّل التهديد الأساسي للحكومة. تهديدٌ يتعزّز حضوره بالنظر إلى صعوبة مهمّة مكافحة الفساد المستشري في البلد، والتي لم تشهد تقدّماً في عهد رئيس الوزراء المُغادر، مصطفى الكاظمي، ولا سيما في فترة تصريف الأعمال التي دامت سنة كاملة، ما حدا بالسوداني إلى الإعلان عن نيّته إعادة النظر في قرارات «الكابينة» المنصرفة ونفقاتها خلال تلك الفترة
باستثناء «التيار الصدري»، الذي يلتزم الصمت في انتظار أن يقدّم أداء الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، الذرائع اللازمة لتحرّكه المقبل، بدت الأطراف المشاركة في الحكومة، وبخاصة «الإطار التنسيقي» والقوى الممثّلة لـ»المكوّنَين» السُنّي والكردي، أكثر من راضية عن انطلاقة الحكومة الجديدة، الأمر الذي قد يفكّك الكثير من التعقيدات التي اعترضت سبيل الحكومات السابقة، لا سيما وأن «المكوّنَين» المذكورَين يستشعران ثقلاً أكبر لهما في الحكومة، نتيجة تضعضع الصفّ الشيعي بسبب الخلاف بين الإطار والتيار. مع ذلك، لا أوهام لدى أحد بأن حكومة السوداني، ستجد حلولاً لكلّ مشكلات العراق الداخلية المستعصية، وفوقها المشكلات ذات الأبعاد الإقليمية، ولا سيما التدخّلات الخارجية، ولذلك تُسلّط القوى المشاركة فيها الضوء على إيجابية أساسية لها، هي إخراج البلد من حالة الانسداد السياسي التي استمرّت عاماً كاملاً.
وفي هذا السياق، يقول القيادي في «تحالف الفتح»، عبد الحسين الظالمي، لـ»الأخبار»، إنه «إذا أردنا أن نقيّم الحكومة الجديدة، فعلينا أن نَنظر إلى سنة كاملة من الانسداد السياسي، والمشكلات الكثيرة التي تولّدت من عدم وجود حكومة ذات صلاحيات كاملة. لذلك يُعدّ إكمال هذا الاستحقاق الدستوري وانتخاب حكومة جديدة كاملة الصلاحيات خروجاً من نفق الانسداد السياسي، بالتالي تقدّماً وانفراجاً». إلا أنه يضيف أنه «سيكون هناك بالتأكيد مَن لا يقبل بهذه الحكومة لأسباب عدّة. ولكن حتى عدم الرضى يُعدّ أمراً صحّياً ومؤشّراً إلى وجود معارضة حقيقية للحكومة، تُراقبها بالإضافة إلى أجهزة الرقابة الأخرى». ويَعتبر الظالمي أن «ما حصل يُعدّ إنجازاً، على رغم أن كلّ عمل لا بدّ أن تُرافقه بعض الأخطاء، مِن مِثل عدم إشراك بعض المستقلّين الذين كانوا يطمحون إلى نيل حصّة في الكابينة الوزارية، واعتبار البعض ما جرى عودة إلى منهج المحاصصة. لكن هناك كذلك من لا يريد أصلاً المشاركة في الحكومة، ويريد أن يبقى معارضاً لأن الحكومة لا تعبّر عما يريد، وآخرون يعترضون لأجل الاعتراض وإثبات الوجود».
لا أوهام لدى أحد بأن حكومة السوداني ستجد حلولاً لكلّ مشكلات العراق المستعصية


وعلى ضفّة «المكونات» الأخرى، سارع زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، إلى الاتصال بالسوداني، مُعلناً دعمه ومساندته له، فيما قال السياسي غسان العيثاوي، المقرّب من حزب «تقدم» الذي يقوده رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، إن «الحكومة التي تمّ منحها الثقة ستكون لها مقبولية لدى جميع المكوّنات، والمكوّن السُنّي متفائل بها بشكل واضح»، مضيفاً أن «هذه الحكومة ستكون أفضل من سابقاتها كونها أتت بشكل سلس وتوافقي».
وكان السوداني تعهّد، خلال عرضه المنهاج الوزاري لحكومته بـ«تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام»، بالإضافة إلى «إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي». كما تضمّن المنهاج التزام «الحكومة ببناء أدوات فعّالة لمحاربة الفساد خلال مدّة أقصاها 90 يوماً من تاريخ تشكيلها». وأعلن السوداني، أيضاً، «إعادة النظر في جميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية، خصوصاً الاقتصادية والأمنية والتعيينات غير المدروسة وصرف مستحقّات البترودولار للمحافظات المنتِجة للنفط والغاز وإعادة النسبة المخصّصة لهذه المحافظات إلى 5 في المئة للإنتاج والتكرير».
وفي ظلّ صمت رسمي من قِبل «التيار الصدري» بشأن الموقف من الحكومة الجديدة، يَعتبر الباحث السياسي، رافد العطواني، المقرّب من التيار، في حديث إلى «الأخبار»، أن «القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وبخاصة الشيعية، لم تعطِ السوداني أريحية في اختيار الوزراء»، معتبراً أن «البيان القصير لهذه الحكومة، والذي بلغ عدد صفحاته 29 مقابل 120 صفحة للحكومة السابقة، يدلّ على أن السوداني لا يأمل بتحقيق الكثير، وعلى أن الكابينة الوليدة أشبه ما تكون بكابينة مرحلية انتقالية للتأسيس لانتخابات برلمانية مبكرة، بخاصة أن هناك ضغطاً شعبياً كبيراً، ولا سيما من قِبل الجماهير الصدرية وجماهير تشرين، وقد شاهدنا أن هناك احتجاجات أمام البرلمان واكبت جلسة نيل الثقة حيث تعرّض رئيس حركة امتداد النائب علي الركابي، والنائب فلاح الهلالي، للضرب من قِبل نواب الإطار وحماياتهم». ويرى العطواني أن هذه الحكومة جاءت بضغط عالمي لتأمين تدفّق 4 ملايين برميل يومياً في ظلّ الأزمة النفطية التي يشهدها العالم.