بغداد | تثير البلبلة الأمنية المتجدّدة في جنوب العراق المخاوف من عودة الصدامات بين أنصار «التيّار الصدري»، وأنصار «الإطار التنسيقي». وعلى رغم الهدوء على الجبهة السياسية، واستمرار مقتدى الصدر على تريّثه، إلّا أن هذا الهدوء قد لا يكون إلّا من ذاك الذي يسبق العاصفة، على اعتبار أن تجديد خصوم التيّار محاولاتهم المُضيّ في العملية السياسية من دونه، سيواجَه باعتراض في الشارع، وفق ما يؤكّد قياديون «صدريون». ويأتي ذلك في ما يبدو، بالفعل، أن تضاؤل الهامش السياسي أمام «الصدريين»، خصوصاً بعدما انفضّ عنهم حلفاؤهم السنّة والأكراد، بات يغري «التنسيقي» بالمُضيّ في خيار من النوع المذكور
على رغم الهدوء النسبي على جبهة التظاهرات في العراق، وربْط «التيّار الصدري» أيّ تحرُّك مقبل له بما يجري على مسرح العملية السياسية التي تدور نقاشات في شأنها بعيداً عنه، إلّا أن الأحداث المتكرّرة في جنوب البلاد، تُعيد إزكاء المخاوف من عودة الصدامات في الشارع بين أنصار التيّار من جهة، وأنصار «الإطار التنسيقي» من جهة أخرى. وبهذا، تبدو الساحة العراقية، مجدّداً، أمام مخاطر كبيرة، في ظلّ وضع إقليمي ودولي متأزّم، مع احتمال انهيار الهدنة في اليمن، وتصاعُد الحرب في أوكرانيا، إلى درجة التلويح باستخدام الأسلحة النووية. وشهدت محافظتا البصرة وذي قار (جنوب)، ليل الإثنين - الثلاثاء، اشتباكات في محيط القصور الرئاسية في البصرة، في أعقاب هجمات شنّها مجهولون ضدّ «الحشد الشعبي» الذي يسيطر على هذه القصور، وبعد إضرام النيران في مبنى محافظة ذي قار، الأمر الذي دفع قوّات الأمن إلى فرض حظر التجوال فيها. وألمح «التنسيقي» إلى مسؤولية عناصر تابعة لـ«التيار الصدري» عن هذه الهجمات. وفي هذا الإطار، يتحدّث القيادي في «تحالف الفتح»، علي الفتلاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، عن «تحرّكات تثير الريبة»، مشدّداً على ضرورة «أن تكون هناك تهدئة من الطرفَين»، موضحاً أن «على السيد مقتدى الصدر أن يقول لأتباعه كفى إراقة دماء وترويعاً للعوائل وأذيّة للمجتمع، وكفى حملاً للسلاح؛ وأيضاً على الإطار التنسيقي أن يعطي أمراً إلى جميع أتباعه بالتوقّف عن هذا الأمر». وينبّه الفتلاوي إلى أن «الوضع لا يتحمّل والخاسر الوحيد هو شبابنا في الجنوب»، مخاطِباً الطرفَين بالقول: «لا تكونوا يداً من أيدي الثالوث المشؤوم، إسرائيل وأميركا وبريطانيا».
فشِل جميع المبعوثين الأمميين في إيجاد حلّ لمعضلة الرواتب


وتأتي هذه البلبلة الأمنية في وقت يبدو فيه أن «التيار الصدري» الذي كان يراهن كثيراً على عودة «مدوّية» للتظاهرات في ذكرى حراك تشرين الأول 2019، بات في موقفٍ غير معزَّز سياسياً، بعد فشل هذه التظاهرات في إحداث التأثير المطلوب، في الوقت الذي أدّى فيه انفضاض حلفائه السابقين عنه، ومشاركتهم في الجلسة البرلمانية الأخيرة التي جدّدت الثقة برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وجرى خلالها انتخاب نائب أوّل له هو محسن المندلاوي - بديلاً لحاكم الزاملي الذي استقال من المجلس مع أعضاء الكتلة «الصدرية» -، إلى تَعزّز احتمال مُضيّ «التنسيقي» وحلفائه القدامى والجُدد في عملية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، ولوْ من دون مشاركة الصدر. ولكنّ التيّار يبْقى مستعداً للتحرّك في حال وقوع سيناريو من هذا النوع، وهو لا يستبعد الخروج في تظاهرات جديدة كما حدث في نهاية آب الماضي، حين اقتحم الصدريون مقرَّي الحكومة ورئاسة الجمهورية، عقب محاولة الإطار عقْد جلسة نيابية لتشكيل حكومة برئاسة محمد شياع السوداني.
ويرى القيادي في «التيار الصدري»، عصام حسين، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا داعي للتحرّك في هذه المرحلة»، لافتاً إلى أن خصوم التيّار «لم يتّفقوا حتى الآن على شخص رئيس الجمهورية، ولم يعلنوا عن عقد جلسة لمجلس النواب». ويستدرك حسين أنه «بالتأكيد ستكون ثمّة تحرّكات سياسية صدرية وجماهيرية في الوقت نفسه، من أجل إيقاف توزيع تِركة العراق خلال أربع سنوات أخرى، في ظلّ وضع عالمي متأزّم». ويَعتبر أن «إدارة البلد في المرحلة المقبلة يجب أن تكون إدارة اقتصادية»، مشدّداً على ضرورة «مراعاة عدم زجّ العراق في المشاكل، خصوصاً أن الذين يريدون تشكيل هذه الحكومة لديهم ارتباط إقليمي، وشاهدنا قبل أيام خطابات لجماعات منتمية إلى هذا المحور». ويلفت إلى أنه «أيضاً، هناك التحرّك في اليمن، والرجوع ربّما إلى الحرب في المرحلة المقبلة ينذر بخطر شديد على العراق. صارت هناك حسابات معقّدة جدّاً»، منبّهاً إلى أن «القضية ليست تشكيل حكومة إنّما قضية وضع عراقي داخلي ربّما يتعرّض لاهتزازات، وأيضاً وضع عراقي خارجي يريد أن يبتعد عن لعبة المحاور باعتباره الأضعف حالياً في هذه اللعبة». ويُعرب عن اعتقاده بأنه سيجري العمل على تأخير تشكيل هذه الحكومة على الأقلّ، معتبراً أن «الإطار غير قادر على إدارة هذه المرحلة، باعتبار أنه سيميل إلى محور ما وقد يكون العراق في وسط هذه العاصفة من دون داعٍ».