بغداد | يعيش العراق حالة من الترقّب عشيّة الفعاليات المنتظَرة في ذكرى «حراك تشرين»، والمقرَّر انطلاقها في الأوّل من تشرين الأوّل المقبل، لتَبيُّن شكل المرحلة الآتية من عُمْر انسداد الأفق السياسي في البلاد، والممتدّ منذ الانتخابات التشريعية قبل نحو عام. وعلى رغم بروز مؤشّرات إلى إمكانية تحلحل الأزمة، مع الحديث عن إيشاك «تحالف إدارة الدولة»، الذي يُفترَض أن يضمّ قوى «الإطار التنسيقي» إلى جانب القوى السُّنيّة والكردية، على إبصار النور، بهدف إعادة عجلة عمل البرلمان إلى الدوران وتشكيل الحكومة الجديدة، إلّا أن الصمت الذي يواجِه به زعيم «التيار الصدري» تلك التطوّرات، يجعل من الصعب الجزم بمآلات أيّ ديناميات من هذا النوع، سيظلّ مصيرها، على ما يبدو، رهْناً بوقائع السبت المقبل، على رغم تَراجع التوقّعات بأن يشهد هذا اليوم تطوّرات دراماتيكية مِن مِثل التي شهدها أواخر آب الماضي.ويقوم «تحالف إدارة الدولة»، وفق ما رشَح عن الاجتماعات التي سبقت ظهور إرهاصاته، على استئناف جلسات البرلمان، وانتخاب حكومة كاملة الصلاحيات تَخْلف حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، وانتخاب رئيس للجمهورية، قبل تعديل قانون الانتخابات الحالي وتحديد موعد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. ومع أن مدير مكتب زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي - أكثر المتحمّسين للائتلاف المفترَض -، هشام الركابي، كان قد أعلن أن «سفينة إدارة الدولة قد أبحرت»، إلّا أن رئيس «تحالف الفتح»، هادي العامري، لا يزكّي إلى الآن الإقدام على خطوة مِن نوع إعلان التحالف، رغبةً منه في «عدم قطع الجسور بشكل نهائي مع زعيم التيّار الصدري، مقتدى الصدر»، على رغم أن خارطة الطريق المُشار إليها تأْخذ في الحسبان إرضاء الصدر في التشكيلة الحكومية.
وفي هذا الصدد، تقول مصادر مقرّبة من «الإطار التنسيقي»، في حديث إلى «الأخبار»، إن «معظم الكتل والمكوّنات السياسية في البلاد لمست الحاجة إلى تجاوز مرحلة الاشتباك السياسي الذي كاد يؤدّي إلى اشتباك حقيقي غير مرغوب»، مضيفةً أن «جميع مكوّنات الإطار ترى أن تحالف إدارة الدولة هو حاجة مرحلية مناسبة لتجاوز الانسداد الحاصل بأفضل طريقة ممكنة». وإذ تُقرّ بوجود «مآخذ تُسجّلها بعض الأطراف المنضوية داخل "التنسيقي" على التحالف الجديد»، فهي تستدرك بأن هذه الأطراف «لا تُبدي أيّ رغبة في عرقلة ما تمّ التوصّل إليه مع أوسع شريحة من الطيف السياسي العراقي، خصوصاً أن هنالك رؤى وأفكاراً كثيرة لعدم تجاوُز الصدر»، الذي لا يزال يرفض التعليق على هذا المخطّط، علماً أنه كان قد رفض، قبل استقالة نوّابه الـ74، تقاسُم الحكومة مع «التنسيقي».
لا يزال الغموض والتذبذب يلفّان مواقف الأطراف السُّنّية والكردية


وإلى أبعد من ذلك، تذهب مصادر أخرى، من داخل «الإطار» أيضاً، متحدّثةً إلى «الأخبار» عن أن مشروع «تحالف إدارة الدولة» إنّما يمثّل «استجابة محلية لإرادة دولية في تمرير الاستحقاقات الأساسية في البلاد، من أجل ضمان مساحة كافية من الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، خصوصاً بعدما كادت الأمور تفلت من أيدي الجميع في المرحلة السابقة، وهذا ما لا تريده أيّ من عواصم القرار حول العالم، خصوصاً في خضمّ تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية». وتتوقّع المصادر ذاتها أن تكون ذكرى «حراك تشرين» والفعاليات الشعبية المقرَّر أن تجري خلالها، «اختباراً لمدى التزام الأطراف غير المنضوية في التحالف الجديد، وخصوصاً التيار الصدري، بمقتضيات المرحلة»، معتبرةً أن «الصمت الذي يواجه به الصدر التطوّرات الأخيرة، يقول إن الجواب قد يأتي على شكل تظاهرات عارمة في الأول من تشرين الأوّل». وعليه، تخلُص المصادر إلى أن جميع الأطراف في العراق، بمَن فيهم «الإطار التنسيقي»، يترقّبون المشهد الذي سينتهي إليه يوم السبت، ليبنوا على الشيء مقتضاه. والجدير ذكره، هنا، أن ثمّة انقساماً داخل الجهات التي ستشارك في إحياء ذكرى الحراك، حول أشكال هذا الإحياء، ما بين مؤيّد لفكرة النزول إلى الشارع ومعارض لها، كما ثمّة تباين حول مساحات التحرّك الشعبي، وما إن كان سيمضي إلى حدود ما جرى في مناسبات سابقة من اقتحام لـ«المنطقة الخضراء». وأيّاً يكن، تتركّز الأنظار على أداء «التيار الصدري»، الذي سيكون له حضوره في هذه المناسبة، وسط تقديرات بأنه لن يذهب إلى تكرار تجربة الصدام في «الخضراء».
وفيما لا يزال الغموض والتذبذب يلفّان مواقف الأطراف السُّنّية والكردية التي يقال إنها ستكون شريكة في «تحالف إدارة الدولة»، يؤكّد عضو «الاتحاد الوطني الكردستاني»، شيرزاد صمد، في تصريح إلى «الأخبار»، وجود «اتفاق مبدئي» في هذا الصدد، لافتاً إلى أن «ما يترتّب علينا من جرّاء ذلك هو العمل والحوار مع جميع الكتل السياسية للوصول إلى اتّفاق مشترك للخروج من هذه الأزمة وإدارة حكومة بشكل من الأشكال، فإمّا أن تكون حكومة خدمية وطنية موسّعة أو تكون حكومة لمرحلة انتقالية»، مضيفاً أن «ما يَهمّ الاتحاد هو تحقيق توافقات سياسية». على أن رئيس «مركز بغداد للدراسات»، مناف الموسوي، المقرّب من «التيار الصدري»، يَعتبر أن «مشكلة هذا الائتلاف اليوم هي أنه أمام إرادة شعبية رافضة لتشكيل الحكومة التوافقية وفق الآليات السابقة»، مُذكّراً، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «الائتلافات في العراق دائماً لا تكتمل، ولا تبقى صامدة بعد تشكيل الحكومة، حيث سرعان ما تدبّ فيها الخلافات، وهذا الأمر جُرّب أكثر من مرّة».