بعودته لتصدُّر واجهة الحدث، يكون زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، قد أعاد تعقيد المشهد العراقي المُعقَّد أصلاً، بعد توجيهه كتلته النيابية بالاستقالة من البرلمان «تضحيةً منّي للبلاد والشعب لتخليصهم من المصير المجهول». لكن هذا الانسحاب لا يعني بحال من الأحوال فقدان النفوذ الذي يتمتّع به الرَجل، في ظلّ وجود مئات الآلاف من أنصاره الذي ينتظرون إشارةً منه للخروج إلى الشارع، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تمدُّد الفوضى. وبمجرّد إعلان المكتب الخاص بزعيم «الكتلة الصدرية»، إغلاق جميع المؤسّسات التابعة له باستثناء 6 منها، واستقالة نوابه، بدأت تحليلات المراقبين في شأن السيناريوات المتوقّعة. وتنحصر التوقعات، راهناً، بين احتمال أن تؤدّي هذه الاستقالة إلى إعلان البرلمان حلّ نفسه والذهاب تالياً نحو انتخابات مبكرة، أو تصعيد في الشارع من شأنه أن يفاقم التوتّر. وفي هذا الإطار، يرى رئيس «مركز التفكير السياسي» والمحلّل السياسي العراقي، إحسان الشمري، أن «تشكيل حكومة» بمَن تبقّى في البرلمان في حال المُضيّ بالاستقالة، «أمر صعب»، مضيفاً: «حتى الإطار التنسيقي، الذي قد يشعر أنه حقّق انتصاراً على مقتدى الصدر، غالبية الأطراف فيه يدركون جيداً أن هذه (الاستقالات) نهاية للعملية السياسية». وإذ لم يتّضح على الفور «ما إذا كانت الاستقالات مجرّد تكتيك تفاوضي من جانب الصدر، أو انفصالاً حقيقياً عن السياسة»، إلّا أن انسحابه أثار مخاوف من أن يدفع الصدر نحو احتجاجات مزعزعة للاستقرار، في تكتيك لجأ إليه في السابق كرافعةٍ للضغط، وفق ما تقول صحيفة «نيويورك تايمز». وتضيف، نقلاً عن مدير «مركز دراسات الشرق الأوسط»، فيصل الاسترابادي، قوله: «مع خروج الصدريين من العملية السياسية، يمكن القول: عندما لا ينخرطون في السياسة، فإنهم يخرجون إلى الشوارع». ويصف محلّلون، للصحيفة، الاضطرابات السياسية التي أشعلتها خطوة الصدر، بأنها «واحدة من أهمّ التطوّرات التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار منذ انتخاب الحكومات العراقية بعد إطاحة صدام حسين». وعلى المنوال نفسه، تقول رندا سليم في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن: «هذا تحدٍّ كبير لنظام ما بعد عام 2003»، فيما يرى عباس كاظم من «المجلس الأطلسي»، أن «هناك قدْراً هائلاً من الانقسام في الطيف السياسي الشيعي، وإيران لم تتمكّن من حلّ ذلك على الإطلاق». ويضيف أنه «حتى وإن أدّت خطوة الصدر إلى انتخابات مبكرة، فإن ذلك لن يغيّر من طبيعة المشكلات المستمرّة في النظام السياسي الذي اعتمد، منذ عام 2003، على التقسيم».
استقالة «الكتلة الصدرية» ستولّد قناعة لدى أغلب القوى السياسية بأن هذا البرلمان لن يستمرّ


لطالما شكَّلت شخصية الصدر ونهجه، موضعَ إشكال لدى كلّ من الولايات المتحدة وإيران، لمعارضته نفوذ البلدين في العراق، ودعوته الدائمة إلى تشكيل حكومة «لا شرقيّة ولا غربيّة»، على حدّ تعبيره. وعلى رغم تشكيله أوّل فصيل لمقاومة القوات الأميركية، هو «جيش المهدي»، وإصدار قوات الاحتلال الأميركية مذكّرة توقيف في حقّه، وحتّى طلبه «حيّاً أو ميتاً»، إلّا أنه بات، وفق ما أوردت مجلة «فورين بوليسي» في أعقاب الانتخابات، «أفضل خيار للولايات المتحدة لتأمين مصالحها»، بعدما «اتّخذ العراقيون خطوة غير مسبوقة» في الانتخابات التشريعية، من خلال تفضيلهم الصدر، على «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري. وبحسب نصّ المقال فإن «الحقيقة التي لا جدال فيها، هي أن الصدر برز بصفته الزعيم السياسي الوحيد في العراق الذي يتمتّع بشعبية كافية للدفع نحو التغييرات التي تحتاجها البلاد، بما في ذلك تفكيك المحاصصة الطائفية للمناصب السياسية، واحتواء الفصائل المدعومة من قِبَل إيران. وانطلاقاً ممّا تقدَّم، فإن صعوده يخدم المصالح الأميركية».