بغداد | في السنويّة الأولى لاندلاع الاحتجاجات العراقية، يبدو الوضع في الساحات مختلفاً. مشاهد الدم والقتل والمصادمات مع القوات الأمنية غابت عن الساحات، بعدما شكّلت سبباً رئيساً لإطاحة حكومة عادل عبد المهدي، والتوطئة لصعود حكومة مصطفى الكاظمي. وعلى رغم اعتبار الأخيرة نتاجاً للحراك الشعبي، إلا أن المتظاهرين يرون أنها لم تحقّق إلا أشياء بسيطة من مطالبهم. وفي هذا الإطار، يلفت الناشط أمير محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن المحتجّين رفعوا، منذ اليوم الأول، مطالب عدّة، منها «استبدال الحكومة، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وتعديل الدستور»، ثمّ أضيفت إليها «ملاحقة قَتَلَة المتظاهرين والفاسدين... لكن هذه المطالب لم يتحقّق منها سوى ما يخدم مصلحة الأحزاب القابضة على السلطة».
وعلى رغم تعهّد الكاظمي بتقديم الجناة إلى القضاء، وتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة، إلا أن هناك مَن يستبعد ذلك. ويرى مصدر سياسي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأزمة الاقتصادية والصحية التي تعصف بالعراق تحول دون إجراء انتخابات مبكرة، وخصوصاً في ظلّ استمرار التناحر على ملحق قانون الانتخابات، وعدم التوصّل - حتى الآن - إلى صيغة نهائية للدوائر الانتخابية، ترضي مختلف الأحزاب والقوى.
بناءً على تلك المعطيات، ثمة توقعات بعودة التظاهرات على نحو أكبر وأوسع في الـ 25 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في عدد من المدن الجنوبية. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن التظاهرات الجديدة سترفع شعارات حلّ البرلمان وتعديل الدستور، وربّما الدعوة إلى إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية برهم صالح.
ثمّة توقّعات بتصعيد يقود إلى تظاهرات أكبر وأوسع في الـ 25 من تشرين الأول الجاري


في هذا الوقت، يستمرّ الجدل في شأن ما أفرزته «تظاهرات تشرين»، وخصوصاً لناحية تأثيراتها على الخريطة السياسية، والمعادلة الطائفية - العرقية (الشيعة - السُنّة - الأكراد) التي كرّسها الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. وفي السياق، يعتقد البعض أن ما تُسمّى «القوى المدنية» استفادت من الحراك، بعدما تَمكّنت على امتداد السنوات الماضية من كسب قطاعات شعبية غير قليلة عبر وسائل متعدّدة، وخصوصاً منها التركيز على فساد الاتجاه الإسلامي في السلطة وفشله. وعلى ضوء ذلك، تتزايد التوقعات بخسارة الإسلاميين مزيداً من رصيدهم الشعبي، واستعار التنافس بينهم وبين المدنيين، وخصوصاً إذا استمرّ المدنيون في التمسّك بالصبغة المدنية (لا العلمانية) للاحتجاجات، في مقابل إصرار الجماعات الإسلامية على تأكيد التوجّه العلماني لخصومها، والذي يُنظر إليه عراقياً بنوع من الارتياب.
على أيّ حال، يبدو أن ما سبق وأعلنته المرجعية الدينية في النجف (آية الله علي السيستاني)، العام الماضي، من أن «ما بعد هذه الاحتجاجات لن يكون كما قبلها... فليتنبّهوا إلى ذلك»، سيظلّ هو الحاكم في المرحلة المقبلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا