بغداد | يكاد يكون خبراً شبه يومي تعرّض رتل ينقل معدّات لقوّات «التحالف الدولي» في العراق لانفجار عبوة ناسفة، وفق بيانات «خلية الإعلام الأمني»، الناطقة باسم «قيادة العمليات المشتركة». أمس، وقع انفجارٌ في قضاء الإسحاقي ضمن قاطع عمليات سامراء. وأوّل من أمس، وقع انفجارٌ مماثلٌ على الطريق السريع في منطقة المسيّب في محافظة بابل. والأربعاء الماضي، سقط صاروخ كاتيوشا داخل «المنطقة الخضراء»، وسط العاصمة بغداد. سبقه، يوم الثلاثاء، انفجارٌ استهدف رتلاً ينقل معدّات لقوات «التحالف» في ناحية النيل في محافظة بابل. الإثنين الماضي، أيضاً، وقع انفجاران «الأوّل على الطريق السريع قرب حقول الدواجن ضمن مسؤولية شرطة الديوانية، والثاني على الطريق السريع ضمن حدود مسؤولية شرطة بابل». كان، إذاً، أسبوعاً حافلاً بالعبوات الناسفة، من دون خسائر بشرية. أمّا العدد الإجمالي لتلك العبوات، وتحديداً منذ اغتيال قوات الاحتلال الأميركي قائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، ورفاقهما، مطلع العام الجاري، فناهز الـ20.يسود اعتقاد بأن هذه الاستهدافات هي جزءٌ من مسلسل الردّ الإيراني على جريمة مطار بغداد، وبأن الغاية منها تصعيد الضغوط على قوات الاحتلال لإجبارها على وضع جدول زمني للانسحاب. وفي هذا السياق، تكشف مصادر سياسية أن «ضيفاً إيرانياً بارزاً أبلغ المعنيّين في بغداد أن وتيرة الهجمات مرهونةٌ بجدّية الأميركيين في الانسحاب، وإعلانهم جدولاً زمنياً واضحاً بذلك». أمّا في ما يتصل بالفاعل المباشر، فثمة فرضيتان: تشير الأولى إلى أن فصائل المقاومة المعروفة («كتائب حزب الله – العراق» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء» و«كتائب سيّد الشهداء» و«كتائب الإمام علي»، وغيرها) هي المسؤولة عن هذه العمليات، لكنها تصدر «بيانات تبنٍّ بأسماء وهمية» من أجل رفع الحرج عنها. وما يعزّز هذه الفرضية - وفق المعلومات الأمنية - استخدام بعض «المنفّذين» آليات «الحشد» وبطاقات انتساب لـ«الهيئة». لكنّ مصادر الفصائل ترفض هذا الحديث، موضحة في تصريحها إلى «الأخبار» أن قرارها الحالي «تجميد» العمليات، مع إيلاء «التدريب والتجهيز» الأهمية القصوى، مُشدّدة على أنها «لا تخجل من أيّ هجومٍ تشنّه على قوّات الاحتلال... فهذا وسام شرفٍ نعتزّ به ونفخر».
الفرضية الثانية تتحدّث عن تأسيس «مجاميع جديدة للمقاومة»، وبأسماء بدأ الكشف عنها («سرايا ثورة العشرين» و«سرايا أهل الكهف» و«عصبة الثائرين»، وغيرهم)، من دون أن يكون لها عنوان واضح. اللافت أن هذه «المجاميع» استبدلت غير مرّة تكتيكاتها، وآلية انتقاء أهدافها، وهي تحرص على وسم عملياتها بـ«البدائية»، في سياقٍ يعكس «فلسفة» تأسيسها، على اعتبار أنها ولدت كـ«ردّ فعلٍ طبيعي وتلقائي على جريمة المطار».
دعا مقتدى الصدر إلى اتباع السبل السياسية والبرلمانية لإنهاء الاحتلال


المفارقة أن طهران تحرص، على المستوى الرسمي، على استنكار بعض تلك الهجمات، وتحديداً التي تستهدف الوفود والبعثات الدبلوماسية في العراق، وتدعو الحكومة إلى «تشديد حماية الأماكن الدبلوماسية، وضمان سلاسة تنفيذ مهام البعثات الأجنبية»، وذلك وفق تصريح المتحدث الرسمي باسم خارجيّتها سعيد زاده. بدورها، ترفض حكومة بغداد الهجمات على البعثات الدبلوماسية وعلى «الخضراء» وعلى القوافل التابعة لـ«التحالف»، متعلّلة، وفق ما ينقله مقرّبون من الكاظمي، بأن واشنطن أبلغت بغداد وطهران بجدية قرارها الانسحاب خلال مدّة لا تتجاوز 24 شهراً، ولكنها تتكتّم على موعد انسحابها «حفاظاً على ماء وجهها». ومن هنا، تعتقد الحكومة، بحسب المصادر، أن «العمليات تعقّد المسألة»، خاصة أن الأميركيين أبلغوا الجانب الإيراني بأنهم «لا يريدون انسحاباً تحت النار»، ولهذا «نتمسّك في الحكومة بالحلول الدبلوماسية، لأنّها تكرّس مفهوم الدولة وخياراتها».
اللافت، خلال الساعات الأخيرة، موقف زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي حذر من إدخال العراق في «نفقٍ مظلم وفي أتون العنف... فما من مصلحةٍ من استهداف المقرّات الثقافية والدبلوماسية»، معتبراً أنه «يمكن اتباع السبل السياسية والبرلمانية لإنهاء الاحتلال ومنع تدخلاتهم». موقفٌ تتقاطع عنده قوى سياسية عديدة، في وقت يذهب فيه البعض إلى القول إن «موقف النجف أيضاً يتناغم مع موقف الصدر، بل هو أكثر تشدّداً منه».
على أيّ حال، يبدو أن مصير الكباش القائم حالياً، والذي يبدو واضحاً أن لا إرادة في إيصاله إلى حدود المواجهة، معلّق على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وفيما لم يستطع الكاظمي انتزاع موعد محدّد للانسحاب خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فإن التوقعات تشي بمنسوب أعلى من التصعيد في حال فوز الرئيس الحالي، دونالد ترامب، بالولاية الثانية، حيث لن يكون أمام المقاومة، ربّما، إلا إرغام إدارته على الانسحاب تحت النار.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا