«إعادة تموضع طويل الأمد»، هكذا يوصّف البعض الحراك العسكري الأميركي الجاري في بلاد الرافدين. انسحابٌ من القواعد والمعسكرات الواقعة في المحافظات الوسطى والشمالية، وتوجيه تلك القوّات إلى التموضع في «إقليم كردستان» و«عين الأسد». هو انسحاب «بطيء وسلِس» على مراحل عدّة، ترفض واشنطن أن يحظى بتغطية إعلامية واسعة، وخصوصاً أنّه «لا يحفظ ماء وجهها»، ويأتي في ظروف أمنية تصبّ في مصلحة حلفاء طهران. في الواقع، تسعى واشنطن إلى «إرضاء» طهران وحلفائها العراقيين، من دون أن تخسر الميدان العراقي.
رسمياً، أعلنت قيادة «العمليات المشتركة» (القوّات العراقية)، أمس، تسلّم «معسكر القائم» الواقع في المنطقة الحدودية مع سوريا. البيان المقتضب الصادر عن «المشتركة» أكّد «انسحاب قوّات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش (بقيادة الولايات المتحدة)، مع كافة تجهيزاتها العسكرية»، في وقت أعلن فيه مسؤول عسكري كبير في «التحالف» تعليق «تدريب القوات العراقية، بسبب المخاوف من تفشّي فيروس كورونا»، وأفاد بأن «خفض عدد القوّات وإعادة توزيع الوحدات على عدد أقل من القواعد العراقية، يرجع إلى أن القوات العراقية أصبحت شبه قادرة على احتواء التهديد المتمثّل بفلول داعش».
ووفق المعلومات، فإن واشنطن أطلقت «فعليّاً» عملية إعادة انتشار/ تموضع قوّاتها المنتشرة على طول الخريطة العراقية، تحت مسمّى «قوات التحالف». التسريبات في هذا الإطار أشارت إلى أن «قوات التحالف ستغادر 3 قواعد من أصل نحو 12 منتشرة فيها». هنا تؤكّد مصادر أمنية على تماس مباشر مع قوات «التحالف» أن القرار الأميركي يقضي بالانسحاب من «المعسكرات غير المحصّنة». هذا القرار، يعكس حذر واشنطن من الهجمات المستمرّة ضد قواتها، وخاصّة أن الهجمات الصاروخية الأخيرة أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، و«المنفّذ» هو تشكيل حديث (عصبة الثائرين) يسعى إلى طرد قوّات الاحتلال الأميركي، ردّاً على اغتيال الأخيرة نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، وقائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، ورفاقهما، في محيط مطار بغداد الدولي، مطلع العام الجاري.
وتضيف المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، إن عملية إعادة الانتشار ستشمل أكثر من «قاعدة عسكرية... وعلى مراحل عدّة، تنتهي الأولى أواخر شهر نيسان/ أبريل المقبل». وتكشف المصادر أن القوّة المنسحبة من «معسكر القائم» بلغ عديدها 200 عسكري، وستكون وجهتها «قاعدة عين الأسد الجوية» (غربي العاصمة بغداد). أما القوّة العاملة في «قاعدة القيّارة»، والبالغ عديدها 150 عسكرياً، فـ«ستنسحب قريباً باتجاه سدّ الموصل (شمال مدينة الموصل)، ومطار أربيل (إقليم كردستان)»، في وقت يبلغ فيه عديد القوّة العاملة في قاعدة «k 1» (كركوك) حوالى 250 عسكرياً، وانسحابهم «المفترض قريباً»، سيكون باتجاه مدينة السليمانية (إقليم كردستان). هذا الانسحاب، وفق المعلومات، هو الثاني من نوعه، فالقوّات الأميركية سبق أن انسحبت منها عام 2018، وعادت إليها في نيسان/ أبريل 2019، بطلب من «المشتركة» مع تنامي العمليات الأمنية لـ«داعش» في تلك المنطقة، والممتدة من محيط «الإقليم» شمالاً باتجاه المنطقة الحدودية مع سوريا، غرباً.
يرفض الجانب الأميركي الإفصاح عن «جدولٍ زمني محدّد» لانسحاب قوّاته


في المقابل، تؤكّد مصادر فصائل المقاومة، في حديث إلى «الأخبار»، أن الجانب الأميركي أراد «حضوراً مباشراً» في المنطقة الحدودية مع سوريا لـ«ضبطها»، خوفاً من انتقال «سلاح نوعي من طهران إلى بيروت، عبر الطريق البرّي الرابط بين بغداد ودمشق»، وخاصّة أن رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي، تمسّك بضرورة فتح المعبر الحدودي (القائم ــــ البوكمال) رغم الضغوط الأميركية الرافضة. وترى المصادر أن قوّات «التحالف» لم تكن «رادعة لداعش»، فالمناطق التي عادت إليها وكثّفت من حضورها فيها (محيط إقليم كردستان، مثلاً)، شهدت تنامي قوّة خلايا التنظيم الإرهابي، معتبرة أن الإدارة الأميركية «توفّر غطاءً ما لعمل تلك الخلايا، بالتعاون أيضاً مع قوّات البيشمركة الكردية».
وبالعودة إلى انسحاب قوّات «التحالف»، والتي جلّها قوّات عسكرية أميركية، تؤكّد مصادر أمنية أن الأخيرة تسعى إلى «انسحاب سلس دون ضجّة»، لافتة إلى أن الجانب الأميركي يرفض الإفصاح عن «جدول زمني محدّد»، إذ يضع الجانب العراقي في «الإطار العام، دون الخوض في التفاصيل... لأسباب أمنية وسياسية أيضاً». وإضافة إلى القواعد الثلاث، ترجّح المصادر انسحاب القوّات الأميركية من معسكرات «بسماية» (محيط بغداد) و«المزرعة» و«طارق» (محيط الفلوجة)، في الأسابيع القليلة المقبلة. ويبلغ عديد القوّات حوالى 220 عسكرياً، على أن يكون تموضعهم الجديد في «عين الأسد». وبذلك يبلغ عديد المنسحبين قرابة الـ 820 جندياً، من 6 قواعد من أصل 12 جرى الحديث عنها.
خطّة قد يعجّل الخوف من تفشّي وباء «كورونا» في تنفيذها، وخاصّة أن العراق يفتقر الى البنية الصحيّة التحتيّة اللازمة لمواجهة تحدّ من هذا النوع. وفي هذا الإطار، جاء إعلان وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أمس، أن «بلاده تقوم بسحب قسم من قواتها على خلفية انتشار فيروس كورونا». مشهد سيحمل في الأيام المقبلة الكثير من «الإيضاحات»، وخاصّة أن الحكومة الاتحادية (المستقيلة أو المقبلة) معنية بتنفيذ القرار البرلماني القاضي بجدولة انسحاب القوات العسكرية المنتشرة في العراق، وتحديد جدول زمني لذلك، في حين ثمّة من يدعو إلى مراقبة «الداخل الأميركي... وتخبّط إدارة الرئيس دونالد ترامب، لاستشراف مستقبل القوّات الأميركية في بلاد الرافدين».