هل تُسقط الأحزاب والقوى السياسية عدنان الزرفي، أم تُعرقل عملية تأليفه للحكومة الانتقاليّة؟ وإن نجح في ذلك، هل ستحول دون إمرارها برلمانيّاً؟ أسئلةٌ تطرحها مصادر سياسية مواكبة لمساعي «إطاحة» الزرفي، والبحث عن بديلٍ له. في المقابل، ثمة من يؤكّد أن الزرفي سينجح في مهمته، وأنّ «صفقةً ما» يجري طبخها في السر. مشهد معقّدٌ آيلٌ إلى الانفجار، في ظلّ غياب «الرعاية الخارجية» الضابطة ــــ سابقاً ــــ لأي انفلاتٍ مماثل. التحدّي الأبرز أمام حلفاء طهران، يكمن في مراجعةٍ سريعةٍ لأخطائهم التي أنتجت الزرفي، وخاصّةً أن هذه القوى ــــ هي نفسها ــــ التي تكيل له تهماً ماليّةً وأمنيّة. يكمن التحدّي في إثبات أهليّة الحكم، لا أهليّة الصفقات وتبادل المصالح.
ردود الفعل الرافضة لتكليف عدنان الزرفي، تشكيل الحكومة الاتحادية العراقية، مستمرّة. محافظ النجف الأسبق، ورئيس كتلة «النصر» النيابيّة (بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي)، عاجزٌ حتى الآن عن تأمين «الغطاء الشيعي» اللازم لتشكيل حكومة انتقالية، أبرز مهامها إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في غضون عام على أبعد تقدير.
ساعات الفجر الأولى من ليل أمس، حملت تطوّرات عدّة. فالاجتماع الذي عُقد في منزل زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، بحضور طيف واسعٍ من قادة الأحزاب والقوى المنضوية في «تحالف البناء» (ائتلاف يضم العامري والمالكي والفيّاض وخميس الخنجر، وآخرين...)، أصدر بياناً حاد اللهجة تجاه خطوة رئيس الجمهورية برهم صالح، مؤكّداً جاهزية القوى لـ«إسقاط الزرفي». البيان وصف تكليف الزرفي بـ«الخطوة الاستفزازية... وتكليف مرشّحٍ خارج السياقات الدستورية، التي تنصّ على تكليف مرشح الكتلة الأكبر (الائتلاف البرلماني الأكثر عدداً)»، معتبراً التكليف «تجاوزاً للدستور من جهة، وعدم الالتزام بالتوافق بين القوى السياسية من جهةٍ أخرى... وعلى صالح تحمّل كامل المسؤولية». بدوره، أصدر زعيم «تيّار الحكمة الوطني» عمار الحكيم، الذي حضر الاجتماع أيضاً، بياناً بلهجة «دبلوماسية»، لكنّه في المضمون متناغم مع بيان «البناء» (عدّت رئاسة البرلمان هذا الائتلاف «الكتلة الأكبر»).
أقرّ الصدر بقرب الزرفي من الإدارة الأميركيّة


ورغم مسارعة البعض إلى تحميل صالح مسؤولية ما جرى، فإن الملامة تقع على قادة «البيت الشيعي»، الذين أثبتوا عجزهم عن الاتفاق على مرشّحٍ لقيادة المرحلة الانتقالية. فهؤلاء تارةً ينادون بضرورة تنفيذ الآليات الدستورية، وتحديداً تلك المتعلّقة بتسمية «الكتلة الأكبر» رئيس الوزراء، وتارةً أخرى يفضّلون العودة إلى «توافق البيت الواحد»، أي «البيت الشيعي»، المنقسم أساساً بين ائتلافي «البناء» و«الإصلاح» (قبل انفراط عقده، ضم هذا الائتلاف الحكيم والعبادي ومقتدى الصدر وإياد علّاوي وأسامة النجيفي، وآخرين...).
كذلك، «الكيديّة» التي صبغت آلية اختيار الزرفي، وتمسّك أعضاء «اللجنة السباعية» بتصفية الحسابات السياسية، وتحديداً بين المالكي وزعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر. فالأخير يسعى إلى تقويض نفوذ غريمه التقليدي، وكسر شوكته داخل العمليّة السياسية.
هنا، يبرز سيناريو المكلّف السابق محمد توفيق علّاوي، الذي اعتذر في نهاية المطاف، فهو قابلٌ للتكرار مع الزرفي، الفاقد إلى حينه لـ«الغطاء الشيعي» الواضح. فالتسريبات تشير إلى دعم الصدر للمكلّف، لكنّه في بيانه الأخير لم يعرب بشكلٍ صريحٍ عن ذلك، فقد ركّز هجومه على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بالدرجة الأولى، وأركان «البيت الشيعي»، بالدرجة الثانية. قال إن «المرشح كان وفق الضوابط أم لا... فهذا أمرٌ يرجع للعراقيين لا غير، معتبراً «صراع السياسيين الشيعة، ما عاد يطاق، وهو ما غيّر آلية الاختيار »، فـ«اختياراتهم لأناسٍ غير أكفاء، أو اختلافهم وعدم توافقهم على مرشح، استدعت اختيار شخص غير مقرّب لنا ولكم (أي «البناء»)». الموقف المبهم، أقرّ فيه الصدر بقرب الزرفي من واشنطن (راجع موقع «الأخبار»؛ «ويكيليكس» عن رئيس وزراء العراق المُكلّف: أميركيّ مُعادٍ لإيران وسوريا)، من دون أن يحسم قدرة الزرفي على النجاح في مهمته.
هذا الانقسام «الشيعي» الحاد، برّز غياب دور طهران في ضبط شتاته، وحتى في التصريح والتعليق على ما جرى، في وقتٍ سارع فيه بومبيو إلى رهن دعم واشنطن والمجتمع الدولي للزرفي بـ«دعم المكلّف سيادة العراق، ونأى بنفسه عن الفساد وحمى حقوق الإنسان». بدوره، أكّد الزرفي، في كلمة بُثّت فجر أمس، أنه «سيحضّر لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة، بالتعاون مع ممثلية هيئة الأمم المتحدة العاملة في العراق، خلال مدة أقصاها سنة واحدة من تشكيل الحكومة»، مضيفاً أنّه «سيبذل كل ما يجب لحماية المتظاهرين والناشطين، وحرمة التعرض إليهم، وحصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء كل المظاهر المسلّحة، وفرض سلطة الدولة».