تبدو فرص نجاح محمد توفيق علّاوي في تأليف كابينته الوزارية مساوية لاحتمالات فشله في ذلك. حتى الآن، ما من دخان أبيض يلوح في الأفق؛ والسبب عناد بعض الأحزاب والقوى السياسية، وتمسّكها بحصصها من «الكعكة الحكومية». «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، وبعض أحزاب «البيت السُّنّي» بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ترفض تقديم أيّ تنازل، على قاعدة أن تمثيلها الوزاري «مكسب انتخابي لا يمكن التنازل عنه، بل يُعمل على تعزيزه وتحصينه».
تعتبر القوى «الكردية» و«السنية» أن تنازل القوى «الشيعية» لا يعنيها (أ ف ب )

في المقابل، تنحو أحزاب «البيت الشيعي» إلى تسهيل عملية التأليف، سعياً لمنع تكرار التجربة التي خاضها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي. وفي هذا الإطار، تقول مصادر «الأخبار» إن «التنازل هو أبرز دروس الحكومة السابقة»، لافتة إلى أن تكرار «الخطأ» ذاته يعني أن علّاوي سيواجه «فشلاً» لا مناص منه: إمّا في التأليف وإمّا في الأداء. لكن بقية الأحزاب والقوى تعزو سقوط حكومة عبد المهدي إلى «خلاف شيعي - شيعي لا علاقة لنا به»، وبالتالي فهي تعتقد أن «تنازل الكتل الشيعية» لا يعنيها، وكأن الحراك القائم منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي موجّهٌ فقط ضدّ كتل ذلك «البيت» دون سواها.
صحيح أن بعض أجنحة «البيت الشيعي» لم تكن مقتنعة بعلّاوي، وكانت تميل باتجاه المرشح علي شكري، إلا أنها ونزولاً عند توصيات «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) عادت وقبلت بعلّاوي، وأيضاً بالتنازل عن حقها في اختيار الحقائب وتسمية الوزراء. تنازلٌ أريد له أن يشكّل معياراً ينسحب على الجميع، ومن هنا تمّ إبلاغ بقية القوى والأحزاب بأن من يحاول الضغط في اتجاه كسب حقيبة وزارية أو منصب ما سيواجَه بسحب الغطاء التشريعي عن المنصب الأول الذي يمثله في إحدى الرئاسات الثلاث. فلو أصرّت أحزاب «البيت السُّنّي» مثلاً على تحصيل مكاسب لها في حكومة علّاوي، سيكون «الردّ» في البرلمان بسحب الغطاء عن الحلبوسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «البيت الكردي» ورئيس الجمهورية برهم صالح. من جهته، وفيما يستكمل لقاءاته، يحاول علاوي إقناع مفاوضيه بضرورة التنازل عن حصصهم، في ظلّ تهديد زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، له بسحب دعمه إياه إن خضع لضغط القوى والأحزاب السياسية، على رغم تأكيد الرئيس المكلّف أنه يرفض أيّ إملاءات أو شروط مماثلة، وقد يعتذر إن استمرّ البعض في محاولة فرضها.
تنحو أحزاب «البيت الشيعي» إلى تسهيل عملية التأليف سعياً لمنع تكرار تجربة عبد المهدي


كذلك، ثمة حديث عن أن «تنازل القوى الشيعية» مردّه إلى «نصيحة» إيرانية بتسهيل عملية تشكيل الحكومة قدر المستطاع. وهي «نصيحة» أعقبت، بحسب مصادر سياسية، تبادلاً «غير مباشر» للرسائل بين واشنطن وطهران بوساطة عُمانية، طالب فيه الأميركيون الإيرانيون بـ«ضبط إيقاع تدخّلهم في تشكيل الحكومة»، والاكتفاء بـ«نفوذهم الكبير» في البرلمان وداخل الأحزاب والقوى. لكن في المقابل، تشكّك مصادر أخرى في صحة تلك المعلومات، مشددة على أن «المتحكّم بالبرلمان متحكّمٌ (تلقائياً) بالتشكيلة الحكومية». أما «التنازل» فتعزوه إلى اقتناع «البيت الشيعي» بضرورة تشكيل حكومة «غير جدلية»، وإنجاز ما هو مطلوبٌ منها في أسرع وقت ممكن، أي انتخابات نيابية مبكرة. وتؤكد هذه المصادر أن واشنطن «غير مرتاحة لتكليف علّاوي» لما سيفتح عليه من تعزيز لدور حلفاء طهران في الحكومة.
وفي سياق التأثير الإقليمي والدولي أيضاً، ثمة من يربط ارتفاع سقف أحزاب «البيت السُّنّي» بإخطار الأميركيين عدداً من الجهات الإقليمية بأن الإرهابيين المنتشرين في محافظة إدلب السورية سيُنقلون بموجب «تسوية ما» إلى المحافظات الغربية والشمالية العراقية. ولأجل ذلك، قد تشرع بغداد - قريباً - في إنشاء مخيمات نزوح لهؤلاء. لكن مصادر أمنية عراقية رفيعة تنفي، في حديثها إلى «الأخبار»، هذه المعلومات، مؤكدة أنها «لن تقبل بأيّ مشروع أميركي مماثل»، فيما تعرب مصادر سياسية عن اعتقادها بأن «بعض القوى السُّنّية تهدّد بهذه الورقة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، بدءاً من الحقائب الحكومية وصولاً إلى إنشاء الإقليم السُّنّي»، الذي عاد ليتصدّر المشهد برعاية إماراتية مباشرة، علماً أن أبو ظبي كثّفت - خلال الفترة الماضية، وتحديداً قبيل انطلاق معارك استعادة محافظة إدلب - من اتصالاتها مع دمشق وموسكو، في ظلّ محاولاتها اللعب على التناقضات في العراق وسوريا لتوجيه «ضربة» تحت الحزام إلى تركيا.