بعيداً عن الأسباب المتصلة بشخصية عبد المهدي وفريقه، ثمة أسباب أخرى أساسية أدت إلى رحيل الرجل من الحكم، وهي: المواجهة الأميركية ــــ الإيرانية في المنطقة، الأداء السياسي الفاشل للقوى الداعمة للحكومة، ورهن مستقبل الحكومة بحسابات زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر. في المسار الأول، ومع بلوغ المواجهة بين المعسكرين أعلى مستوياتها في أكثر من ساحة، نُظر إلى ميل عبد المهدي نحو تطبيق رؤية اقتصادية متحرّرة من القيود الأميركية على أنه «تلاعب» بقواعد «التوازن» بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية، و«ارتماء في الحضن الإيراني». ومن هنا، بدأ العمل، داخلياً وخارجياً، على إزاحة الرجل، إلى أن جاء موقف «المرجعية الدينية» والذي رفع الغطاء عنه ليوجّه الضربة القاضية لولايته.في المسار الثاني، هيمنت كتلتا الائتلاف الحكومي، اللتان جاء عبد المهدي بتوافق بينهما، على قرار رئيس الوزراء، فيما كانت حسابات كتلة «سائرون» (المدعومة من مقتدى الصدر) السياسية، وحداثة تجربة كتلة «الفتح» (الممثلة لـ«الحشد الشعبي») في الحكم، عاملَين رئيسين في تأخير أيّ إنجاز. يضاف إلى ذلك، أن القوى المناوئة لعبد المهدي استطاعت النفاذ من خلال تلك الثغرات من أجل تحميل حكومته، حصراً، مسؤولية الفساد المتراكم منذ 16 عاماً، علماً بأن الرجل تسلّم زمام المسؤولية في مرحلة مُحمّلة بإرث ثقيل، بعدما كانت الدولة ــــ إبّان حكم حيدر العبادي ــــ شبه معطّلة بحجة الحرب على «داعش».
أما في المسار الثالث، والذي يبدو أن القوى الحليفة لطهران تتجه إلى «استخلاص العِبَر منه»، فقد بدا أن منح الصدر القدرة الأكبر على التحكّم بزمام اللعبة السياسية كان «خطأً»، بحسب ما تقول مصادر تلك القوى. إذ إن عبد المهدي، الذي أتى بتوافق هادي العامري ــــ مقتدى الصدر وليس نتيجة تسمية «الكتلة النيابية الأكبر» له، رُهن مصيره بمزاج الصدر. صحيح أن الحكومات السابقة واجهت، هي الأخرى، تظاهرات كادت تطيحها وكان الصدر جزءاً منها، إلا أن زعيم «التيار الصدري» لم يكن في أيّ فترة من الفترات المذكورة الطرف الأقوى في المعادلة، بقدر ما مَثّل طرفاً ضمن مجموعة. وانطلاقاً من القناعة المتقدمة، يظهر أن معظم القوى السياسية تدفع حالياً في اتجاه منازلة الصدر بأسلوبه، وليس التنازل له.